للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثَّاني: أنَّ الله أخبرَ أنَّ المَلَكين قد علَّما السِّحرَ، فلو لم يكن له حقيقة لمَا أَمكن تَعلُّمه ولا تعليمه (١).

الوجه الثَّالث: في ذِكْرِه سبحانه تفريقَ السَّحَرة بين المرءِ وزوجِه: دلالةٌ بيِّنة على أنَّ للسِّحرِ أَثرًا وحقيقةً يَقَع به التَّفريقُ بين المرأة وزوجها، «قد عبَّر الله عنه بـ (ما) الموصولة، وهي تَدلُّ على أَنَّه شيءٌ له وجودٌ حقيقيٌ» (٢).

فليس هو مجرَّد طُرقٍ خبيثةٍ دقيقةٍ تصرف المرءَ عن زوجِه -كما ادَّعاه (محمَّد عبده) - اعتمادًا منه على أصل الوضعِ اللُّغويِ للفظِ السِّحر، بل رتَّب الله على فعلِه التَّكفير لفاعلِه! ولا يُرتَّب الكفرُ على مُجرَّدِ التَّخبيب بين الأزواج.

ومن الأدلَّة القرآنيَّة الأخرى الَّتي احتجُّوا بها:

قول الله تعالى: {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: ٤].

ووَجه الشَّاهد منها: أَمرُ الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم الاستعاذةَ به مِن شرِّ النَّفَّاثات، سواء كان المُراد بالنِّفاثات: السَّواحرَ اللَّاتي يَعْقِدن في سِحْرِهن وينفُثن (٣)، أَو كان المُراد الأنفسَ الخبيثة (٤)؛ فلولا أنَّ للسِّحْرِ حقيقةً، لما أَمَرَ الله نبيَّه بالاستعاذةِ مِن خطرِه؛ مع ما ذَكَره كثيرٌ مِن أئمَّةِ التَّفسير أنَّ سَبَب نزول سورة «الفلق»: ما كان مِن سِحر لَبيدِ بن الأعصم للنَّبي صلى الله عليه وسلم (٥).

يقول ابن قيِّم الجوزيَّة فيها: «هي دَليلٌ على أَنَّ هذا النَّفث يَضرُّ المَسحورَ في حال غَيْبته عنه، ولو كان الضَّرَر لا يحصُلُ إِلَّا بمباشرةِ البَدَن ظَاهرًا -كما يقوله هؤلاء- لم يكن للنَّفثِ، ولا للنِّفاثات شَرٌّ يُستَعاذ منه!» (٦).


(١) انظر «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (٢/ ٤٦).
(٢) «أضواء البيان» (٤/ ٥٤٦).
(٣) انظر «جامع البيان» للطبري (٢٤/ ٧٤٩).
(٤) كما هو استظهار الإمام ابن القيِّم في «بدائع الفوائد» (٢/ ٢٢١).
(٥) انظر «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (٢/ ٤٦)، و «معاني القرآن» للفرَّاء (٣/ ٣٠١)، و «أَسباب نزول القرآن» للواحدي (ص/٤٧٣).
(٦) «بدائع الفوائد» (٢/ ٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>