للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا ما توهَّمه المُعترضون من أنَّ دليلَ حَصرِ تأثيرِ السِّحرِ في مجرَّدِ التَّخييل آية تعالى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: ٦٦]: فليس في ما أناطوا به شُبهَتهم ما يفيدهم في مَقَام الحِجاج على أهل السُّنةِ؛ ذلك لأنَّ أهل السُّنة لا يُنكرون أنَّ سِحرَ التَّخييلِ ضَربٌ مِن ضروبِ السِّحر، لكن مع وجود ما هو حقيقة لا خيال فيه؛ فالضَّرب الأوَّل تُثبته الآية، والثَّاني لم تُنكره! وذكرُ بعضِ أفرادِ العامِّ لا يستلزم التَّخصيصِ! فهم لأجل ذلك ينكرون حصر السِّحر في التَّخيِيل.

وفي تقريرِ هذا التَّفصيل، يقول ابن حَجَر: «الآيةُ عمدةُ مَن زَعَم أنَّ السِّحرَ إنمَّا هو تَخيِيل، ولا حُجَّة له بها، لأنَّ هذه وَرَدت في قصَّةِ سَحَرَة فرعون، وكان سِحْرُهم كذلك، ولا يَلزم منه أنَّ جميعَ أنواعِ السِّحر تَخيِيل» (١).

وأمَّا دَعوى المعترض أنَّ إثباتَ هذا الحديثِ لازمٌ لبُطلانِ النُّبَوَّةِ؛ فيُقال له:

أمَّا في عَقدِ أهلِ السُّنَّة فليس بلازمٍ؛ لأنَّ الفرقَ عندهم أجْلَى مِن الشَّمسِ بين آياتِ الأَنبياءِ، وِسحْرِ السَّحَرَة والكُّهان، حَدًّا وحقيقةً، والشُّبهة إنَّما تقبعُ في أذهانِ مَن سوَّى بين مُعجزات الأنبياءِ، وبين ما تَأتي به السَّحَرة والكُّهان، فلم يُثبِت فرقًا يعود إلى جنسِ كلٍّ منهما، ولا فرقًا يعود إلى قصدِ الخالِق، ولا قدرتِه، ولا حكمتِه (٢).

فما ادَّعاه المعتزلة ومَن وافقهم -كأبي بكر الجَصَّاص- مِن أنَّ حديث عائشة رضي الله عنها هذا وغيره مِمَّا يدلُّ على تَحَقُّقِ السِّحر فيه إبطالٌ لمُعجزاتِ الأنبياء، بحيث يَستوي ما يَأتون به وما يَأتي به السَّحرة: هي دعوى باطلة؛ إذْ الفرق بين آياتِ الأَنبياء -الَّتي هي خارجةٌ عن مَقدور الإنسِ والجنِّ، الخارقةِ لسُنَن الله الكونيَّة الَّتي اختصَّ الله بالقُدرةِ عليها- وبين سِحر السَّحَرة -الَّذي لا يخرجُ عن كونِه مِن العجائبِ، لخروجه عن نظائره وعمَّا اعتاده النَّاس-: الفرق بينهما واضحٌ جَليٌّ لِمن تدبَّر الوجوه التَّالية:


(١) «فتح الباري» (١٠/ ٢٢٥).
(٢) «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>