الوجه الأوَّل: أَنَّ السِّحرَ والكهانةَ ونحوهما أَمورٌ مُعتادة مَعْروفةٌ لأَصحابِها، ليْست خارقةً لعادَتِهم، بل كُلُّ ضَرْبٍ منها مُعتادٌ لطائفةٍ غير الأَنبياء؛ تُكتسَب بنَوعِ تعلُّمٍ وممارسةٍ، وتَسخيرٍ للشَّياطين؛ أمَّا آياتُ الأنبياء، فليست مُعتادة لغيرِ مَن صَدَّقهم الله بنُبوَّته، فلا تكون إلَاّ لهم ولِمن تَبِعَهم، فلا ينالها أَحَدٌ باكتسابِه.
الثَّاني: أنَّ ما يَأتي به السَّحَرة والكُهَّان يُمكن أَن يُعارَض بمثلِه، وآياتُ الأنبياءِ لا يمكن لأحدٍ أن يُعارضها بمثلِها.
الثَّالث: أنَّ السِّحرَ -البَصَريَّ منه بخاصَّة- يحتاجُ إلى بقاءِ تَوجُّه نفسِ السَّاحِر والتفاتِه إليه، وتَعلُّق عزيمتِه به، فإذا غَفَل عنه، بَطُل أثرُه؛ بخلافِ المعجزة، فإنَّها غنيَّةٌ عن مثل ذلك لكونِها مِن الله عز وجل.
الرَّابع: أَنَّ النَّبيَّ لا يأمرُ إلَاّ بمصالح العِبادِ في المَعاش والمَعاد، فيأمر بالمَعروف، وينهى عن المنكر؛ فيأمر بالتَّوحيد، والإخلاص، والصِّدق، وينهى عن الشِّرك، والكذب، والظُّلم؛ فالعقول والفِطَرُ توافقه؛ وتُؤالِف بين ما جاء به وما جاء به الأَنبياء قبلَه؛ فيصدِّقه صريحُ المعقول، وصحيح المَنقول الخارج عمَّا جاء به، أمَّا مُخالفوهم يَأمرون بالشِّرك، والظُّلم، ويُعظِّمون الدُّنيا، وفي أَعمالهم الإِثمُ والعدوان، ويعتري أغراضَهم الخذلان.
الخامس: أنَّ النبيَّ قد تَقَدَّمه أَنبياء؛ فهو لا يَأمر إلَاّ بجِنسِ ما أَمَرت به الرُّسل قبله، فله نُظَراء يَعتَبِر بهم، ويُعتَبر هو بهم؛ وكذلك السَّاحر له نُظراء يُعتبر بهم!
إلى غير ذلك مِن الفوارق الَّتي بيَّنها أهل العلمِ بين كِلا الفريقين (١).
وأمَّا الكشف عن مَدى مُخالفةِ مَن أنكر حقيقةَ السِّحرِ للضَّرورة الحسِّية، فيُقال في جوابه:
(١) انظر «إكمال المعلم» (٧/ ٨٩)، و «النبوات» لابن تيمية (١/ ٥٥٨ - ٥٥٦٠) بتصرُّف، وانظر أيضًا ذات المصدر (٢/ ١٠٧٤ - ١٠٩٠)، و «فيض الباري» للكشميري (٦/ ١٤١).