للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفْسِه، أَو تُصيبه في عقلِه أو بَدَنِه، أَو تُفرِّق بينه وبين أَهله، أَو تقتله، أو تصرف عنه دُنيًا، أو تجلِب له مَحبَّةَ شخصٍ أو كُرهَه، أو يحبِس امرأة عن جِماع زوجِها، وهو المعروف بـ «سِحر التَّصفيح»؛ فإذا عُثِر عليه مَدفونًا فأُبطِل ببعض الرُّقى، أو مَأكولًا فاستُفرِغ: رَجَعَت المرأة إلى طبيعتِها مع زوجِها، وإن لم تعلم هي بفكِّ السِّحر! وقد شاهدتُ أنا من هذا عددًا!

فالحقُّ أنَّ لبعضِ أصنافِ السِّحرِ تأثيرًا حقيقيًّا في القلوب، كالحبِّ، والبُغض، وإلقاء الخير والشَّر، وفي الأبدانِ بالألمِ والسُّقم، فترى السَّاحرَ يَعمل أعمالًا لا مُباشرةَ لها بذاتِ مَن يُراد سِحْرِه، ويكون غائبًا عن السَّاحر، وشرط ذلك استعمال أثَرٍ لمن يُراد سحره، فيدَّعون بواسطتِه تأثيرَه فيه، أو تسليطِ الشَّياطين عليه.

وأكثر ذلك يَقع بمثلِ رسمِ أشكالٍ يُعبَّر عنها بالطَّلاسم، أو عقد خيوطٍ والنَّفثِ عليها برُقيات مُعيَّنة تَتضمَّن الاستنجادَ بالكواكبِ لاستجلابِ الجِّن، أو الدُّعاء بأسماء الشَّياطين وآلهةِ الأقدمين، وكذا كتابة اسم المَسحورِ في أشكال، أو وضعِ صورتِه أو بعضِ ثيابِه وعلائقِه، وتوجيه كلام إليها، للتَّأثيرِ في ذات المَسحور بإذن الله، أو يَستعملون إشاراتٍ خاصَّةٍ نحو جهتِه، أو نحو بلده، وهو ما يُسمونَّه بالأرصاد (١).

إنَّما الخارجُ عن مَقدورِ السَّحَرة قلْبُ المَوادِّ وتحويلُها، كما يقول فيه ابن حجر: « .. إنَّما المَنكور أنَّ الجمادَ يَنقلِبُ حيوانًا، أو عكسَه بسحرِ السَّاحر، ونحو ذلك، فهذا ممَّا لا يقدر عليه السَّاحر» (٢)

ولأجل أنَّ هذه الأعمال السِّحريَّة متحقِّقةٌ حِسًّا، متواترةٌ خَبرًا، ترى الفقهاء يَعقدون لها في مُصنَّفاتهم مَسائل (٣)، يَبحثون في حُكمِ الآثارِ المُترتِّبة عليها،


(١) انظر «التحرير والتنوير» لابن عاشور (١/ ٦٣٣ - ٦٣٤).
(٢) «فتح الباري» لابن حجر (١٠/ ٢٢٣).
(٣) انظر على سبيل المثال: «البيان والتحصيل» لابن رشد الجد (١٦/ ٤٤٤)، و «المغني» لابن قدامة (٩/ ٢٨)، و «روضة الطالبين» للنووي (٩/ ٣٤٧)، و «البحر الرائق» لابن نجيم الحنفي (٥/ ١٣٩ - ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>