للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حرصتُ على هذا النَّقل مِن الماورديَّ لأنَّه مُعتَزليُّ المَشرب (١)! مُنكرٌ للسِّحر أن يكون حقيقةً، فلو كان لهذا الإمام الجليل قولٌ يَعضُد به مذهبَه ما أفلتَه!

وأمَّا دعوى المُعارضِ الثَّاني أنَّ في التَّصديق بهذا الحديث زعزعةً للثِّقة فيما يبلِّغه الرَّسول صلى الله عليه وسلم وعصمتِه في ذلك (٢)؛ فيقال في جوابه:

ليس في إثبات سحر النِّبي صلى الله عليه وسلم ما يؤدِّي إلى القول بتجويز ذلك، فإنَّ عصمته صلى الله عليه وسلم في التَّبليغ قد انتصبت البراهين القطعيَّة على تحقُّقِها، فلن يكون ثبوتُ الاعتقادِ بذلك متوقِّفًا على نفيِ لحوقِ السِّحر به! إذ العصمة ثابتةٌ في ذاتها بدلائلِها، متحقِّقةٌ ببراهينها في جميع الحالات، ومنها هذه الحالةُ الَّتي هي مَحلُّ المدافعة.

وفي تقرير هذا يقول المازَريُّ: «قد أنكر بعض المبتدعةِ هذا الحديث مِن طريقٍ ثابتةٍ، وزعموا أنَّه يحطُّ منصب النُّبوءة ويشكِّكُ فيها، وكلُّ ما أَدَّى إلى ذلك فهو باطل، وزعموا أنَّ تجويز هذا يُعدم الثِّقة بما شرعوه مِن الشَّرائع، ولعلَّه يتخيَّل إليه جبريل عليه السلام، وليس ثمَّ ما يراه، أو أنَّه أُوحي إليه، وما أُوحي إليه؛ وهذا الَّذي قالوه باطل، وذلك أنَّ الدَّليلَ قد قام على صرفهِ فيما يبلِّغه عن الله سبحانه وعلى عصمتِه» (٣).

وعليه نقول لهؤلاء النُّفاة: إنْ كان لديكم براهين ودلائل على عصمةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم مِن الخطأِ في التَّبليغ، فليس هناك ما يَحمِل على الطَّعنِ في الحديثِ الَّذي يُثبِت سحرَه؛ إذ ثبوتُ عصمته صلى الله عليه وسلم -كما تقدَّم- ليس مُتوقِّفًا على نفيِكُم لهذا الحديث.


(١) يقول عنه الذهبي في «ميزان الاعتدال» (٣/ ١٥٥): «علي بن محمد، أقضى القضاة، أبو الحسن الماوردى، صدوق في نفسه، لكنه معتزلي»، توفي سنة (٤٥٠ هـ).
(٢) انظر «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٢٥٥).
(٣) «المُعْلِم» للمازري (٣/ ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>