للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فـ «الهواء» -مثلًا- لمَّا كان قابلًا لأن يَستحيلَ ماءً، أمكنَ أن يؤثِّر فيه مؤثِّرٌ، فيصبح ماءً وينزل المَطر؛ وأمَّا ما لم يكُن قابلًا لذلك فلا (١).

فمِمَّن انتحلَ هذا القول مِن أَتباع المدرسة الباطنيَّة المُعاصرة (محمَّد شحرور)! فلقد عدَّ ما يقع للأنبياء مِن خوارق العاداتِ لا يخرج عن كونِها ظاهرةً طبيعيَّةً قُدِّم زمنُها، وليست خروجًا عن مُقتضَى السُّنَن الكونيَّة، فهي «تَقَدُّمٌ في عالَم المَحسوس (ظاهرة طبيعيَّة)، عن عالَم المعقول السَّائد وقتَ المُعجِزة، كشَقِّ البحرِ، ولكنَّها بحالٍ من الأحوال ليست خروجًا عن قوانين الطبيعة أَو خَرْقًا لها» (٢).

والحقُّ أنَّ تفسيرَ آياتِ الأنبياءِ تفسيرًا طَبيعيًّا مُخالفٌ للحقيقةِ المَوضوعيَّة لهذه الآيات، فأيُّ عَلاقةٍ لإحياء الموتى، وانشقاقِ القَمر، وانفلاقِ البحر، وخروج النَّاقةِ من الجبل، بِقوى النَّفْسِ الَّتي ادَّعاها ابن سينا (٣)! أو القَفْزات الزَّمانيَّة الَّتي ابتدَعها شحرور؟! كلُّ هذه الآيات الرِّساليَّة وغيرها خارجة عن سُنَن الطَّبيعة وقوانينها، ولا يمكن وقوعها إلَاّ لنبيٍّ، ولن تقع لغيرِ الأنبياءِ مهما تقدَّم الزَّمَن.

ومثل هذه الدَّعاوي مَعلومة الفساد، حيث تنطوي على تعجيزِ الرَّب تبارك وتعالى، وهذا لازمٌ لِمن نفاها، وهي خَوضٌ في آياتِ الله بالباطل، لأنَّها تَقيِيد لإرادةِ الله تعالى بمخلوقاته، والله تعالى لا مانعَ لما أراد، ولا دافع لما قضى، وليس مِن شأنِنا تفصيل الكلام عن أربابِ هذا الموقفِ والإسهابِ في نقضِ سفسطَتِهم، لجلاءِ قُبحِها في عَيْنِ كلِّ مسلم.


(١) انظر «دفع دعوى المعارض العقليِّ» (ص/٣١٣).
(٢) «الكتاب والقرآن» لشحرور (ص/١٨٥).
(٣) انظر «الإشارات والتنبيهات» لابن سينا (٤/ ١٥٨ - ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>