للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ نزع إلى الاستدلالِ على ما تَوهَّمه دعامةً لدعواه، بقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: ٥٠ - ٥١]، مُعلِّقًا عليها بقوله: «واضحٌ أنَّنا أمامَ إغلاقٍ نهائيٍّ لمسألة إمكانيةِ تخصيصِ خاتم النَّبيين والمرسلين بمعجزةٍ من جنس ما طالبت به قريش؛ لقد قرَّرت الآية أنَّ القرآن كافٍ وحده كمعجزة للنَّبي صلى الله عليه وسلم» (١).

أمَّا (جمال البنَّا)، فجارَ في القضيَّة بأن زعم كونَ «هذه الأحاديث عن المُعجزات لا تُكسِب الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم فخرًا، لأنَّها تجعله رَسولًا كبقيَّة الرُّسل، أمَّا القرآن الكريم -معجزته الحقيقيَّة والوحيدة- فهو ما يجعله رسولَ الفكرِ والعقلِ» (٢).

ومِن الفَوَاقر الَّتي وَقَع فيها هؤلاءِ في غمزِهم بهذا النَّوع من الأخبار، قولهم:

بالمعارضة الثَّالثة: في أنَّ إثباتَ تلك المُعجزاتِ الحِسيَّةِ -ومنها البَرَكة في جَسَدِه الشَّريف- إخراجٌ له عن طَوْرِه البَشَريِّ:

فلمَّا كان مِن طرائق إثباتِ النُّبوة ما يُجريه الله تعالى على يَدَي النَّبي صلى الله عليه وسلم من الآيات والبراهين الخارجةِ عن مَقدور الثَّقَلين، وكان هذا يوجب له الامتيازَ عن غيره مِن الخَلق، مع ما تضمَّنه ذلك من خَرقِ للسُّنَن الكونيَّة: سارعت هذه الطَّائفة إلى نَفْيها عنه صلى الله عليه وسلم.

فانظر -مثلًا- إلى (ابن قِرناسٍ)، كيف نفي امتيازَ النَّبي صلى الله عليه وسلم بمثل تلك الخصائصِ الَّتي خَصَّه الله بها دون النَّاسِ، بقوله: «ما كَتَبه بعض الإخباريِّين عن محمَّد صلى الله عليه وسلم، يُصورِّه على أنَّه شخص فوق البَشر، لدرجةِ أنَّ المعجزاتِ الحسيَّة قد جَرت بين يَديه! .. أمَّا القرآن فقد أورد صورةً للرَّسولِ ليس فيها ممَّا نقله عنه


(١) «مدخل إلى القرآن الكريم» لمحمد الجابري (ص/١٨٧ - ١٨٨).
(٢) «تجريد البخاري ومسلم» (ص/٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>