للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ضَرْبٍ مِن ضروب المُتخَيَّل، لا تكونُ فيه الأَحداث مَبنيَّةً على قانونٍ في السَّببيَّةِ، .. إِنَّنا نُصادف داخلَ هذا المُتخيَّل نماذج مِن وقائع حَصَلَت على عهدِ الرَّسولِ، أَلغت النِّظامَ المنطقيَّ الَّذي تَتأسَّسُ عليه قوانين الطَّبيعة والعالَم الفِيزيائيُّ عُمومًا، ممَّا يُقيم البُرهان على أَنَّ للمُتخيَّل مَعقوليَّته الخاصَّة، المُباينة للمَعقوليَّة العلميَّة القائمة على الاستدلالِ والتَّعليلِ وغيرهما» (١).

وإذا كانَ إثباتُ الآياتِ المَادِّيَّة الحاصلةِ للنَّبي صلى الله عليه وسلم عند المتأثِّرين بهذا المَنهج غيرُ مُتأتٍّ حيث كان الدَّليل الحِسِّي بزعمهم لا يقوم بإثباتِها؛ فلقد خَطَوا خطواتٍ بعيدة في مسايرةِ مَن لا يؤمنون بالنُّبوَّة ولا بآياتِ الأنبياء؛ مُعانين صرْفَ كلِّ آيةٍ عن مُقتضى الإعجازِ، وتفسيرَها على ضوء المنهج المادِّي الكافرِ بخَرقٍ للسُّنَنَ الكونيَّة بالمَرَّةِ.

ثمَّ برز فريقٌ آخر معترضٌ على أخبار الآيات النَّبويَة مِن غير أن يصرِّحوا باعتمادِ ذاك المَنهجِ الوضعيِّ في إثبات الحقائق، ولكنْ بدعوى أخرى تَتَمثَّل في:

المعارضةِ الثَّانية: حصْرُ ما اختَصَّ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن المعجزات في القرآنِ وحده، وأنَّه ليس مِن اختصاصِه الإتيانُ بآياتٍ خارقةٍ للعادةِ:

وفي تقرير هذا الاعتراض، يقول (محمَّد عابد الجابري):

«نحنُ نؤكِّد -فعلًا- أنَّ الشَّيء الوحيد الَّذي يُفْهَم مِن القُرآن بأكملِه أنَّه معجزةٌ خاصَّةٌ بالنَّبي محمَّد صلى الله عليه وسلم: هو القرآن لا غير، فالقُرآن يَكفي ذاته بذاته في هذا الشَّأن.

والدَّليل على ذلك: أنَّ كُفَّار قُريش قد أكثروا مِن مُطالبةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم بالإتيان بآيةٍ (مُعجزةٍ) تخرقُ نظامَ الكون واستقرار سُنَنِه؛ كدليلٍ على صدقِ نُبوَّته؛ فكان جواب القرآن أنَّ مهمَّة محمَّد بن عبد الله هو أنْ يُبلِّغ لأهل مكَّة (أمِّ القُرى) ومَن حولها رسالةَ الله إليهم (القرآن)، وليس من اختصاصِه الإتيان بآيات مُعجزاتٍ خارقة للعادة».


(١) «أسباب النُّزول» لبسام الجمل (ص/٤٠٢ - ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>