للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِمَّن أبان عن عُمقِ هذا التَّأثُّر بهذا المذهب الفكريِّ (محمَّد فريد وجدي) (١)، فهو مِمَّن دَرَجوا على تطويعِ الدَّلائلِ الشَّرعيَةِ لتوافق ما رَسَمه الغَرب في صورةِ قوالب وقوانين عِلميَّة، مع إعادةِ صياغة أفكارهم، والتَّنقير في كُتُبِ التُّراث عمَّا يُسْعفها.

فانظر قولَه -مثلً-: «تمتاز العصور النَّبوية بالخوارق والنَّواميس الطبيعيَّة؛ فأساطير الأديان مَلْأى بذكرِ حوادثَ من هذا القبيل، كان لها أقوى تأثيرٍ في حمل الشُّعوب الَّتي شهِدتْها على الإذعان للمرسَلين الَّذين حدثتْ على أيديهم.

وقد حَدثتْ أمورٌ مِن هذا القَبيل في هذا العصر المُحمَّديِّ؛ صاحبت الدَّعوةَ في جميع أطوارها .. ولستُ أقصد بها ما تناقَله النَّاسُ عن شَقِّ الصَّدر (٢)، وتظليل الغمامة (٣)، وانشقاقِ القَمر، وما إليها ممَّا لا يُمكن إثباتُه بدليلٍ مَحسوسٍ، أو يتأتَّى توجيهه إلى غير ما فُهِم منه؛ ولكنِّي أقصد تلك الانقلابات الأدَبيَّة والاجتماعيَّة التي تمَّت على يدِ محمَّد صلى الله عليه وسلم في أقلِّ من رُبع قرنٍ، وقد أعوزَ أمثالُها في الأُمم القرونَ العديدةَ، والآمادَ الطويلةَ» (٤).

فعلى أساسِ هذه المُغالَطاتِ للحقائق، ترى (بسَّام الجَمل) يَسِمُ الآياتِ النَّبويَّةِ بأنَّها «تَوليدُ المِخْيالِ الجَمعيِّ»، لا أنَّها حقائق تَواترت عنهم تَواترًا قطعيًّا؛ ويَصِف ما أنزَل القرآنُ الكريم في شأنِها بقوله: «عَثرنا في بعضِ أَخبار النُّزولِ


(١) محمد فريد وجدي (ت ١٣٧٣ هـ): باحث مصري، عمل محررا لعدد من الجرائد والمجلات المصرية، كـ «جريدة الدستور»، و «الوجديات»، من مؤلفاته: «دائرة معارف القرن الرابع عشر، العشرين»، و «ما وراء المادة»، انظر «الأعلام» للزركلي (٦/ ٣٢٩).
(٢) سيأتي تخريجه.
(٣) أخرجه الترمذي في «الجامع» (ك: المناقب، باب: بدء نبوَّة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: ٣٦٢٠)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وتعقَّبه الذَّهبي بقوله في قسم السِّيرة النبوية من «تاريخ الإسلام» (١/ ٥٠٣): «تفرَّد به قُرَاد، واسمه عبد الرحمن بن غزوان، ثِقةٌ، احتجَّ به البخاري والنَّسائي؛ ورواه النَّاس عن قُراد، وحسَّنه الترمذي، وهو حديثٌ مُنكرٌ جِدًّا»، ثُمَّ ساق علل هذا الخبر.
(٤) سلسلة «السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة» من «مجلَّة الأزهر»، مقال: «الأمور الخارقة للنواميس الطبيعية في وقعة بدر» (ج ١، المجلد ١١، ص/٣٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>