للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضَّل الله به الرُّسل ـ عليهم السَّلام ـ؛ والنَّظر الصَّحيح يوجب التَّفريق بين أمرين عند اتِّصاف أحدِهما بما يُوجب امتيازَه عن الآخر (١).

العجيب؛ أنَّ الله سبحانه وتعالى قد ذكر هذا القياس الفاسدَ مانعًا للكفَّار من الإيمان بآياتِ الأنبياءِ والانقيادِ لهم! فقال تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَاّ أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً} [الإسراء: ٩٤].

يقول ابن تيميَّة: «وجِماعُ شُبَه هؤلاء الكفَّار: أَنَّهم قاسوا الرَّسول على مَن فرَّق الله بينه وبينه، وكفروا بفضل الله الَّذي اختصَّ الله به رُسُلَه؛ فَأوتُوا مِن جهة القياس الفاسد، ولا بُدَّ في القياس من قَدرٍ مُشْتَرَكٍ بين المُشَبَّه والمُشَبَّه به» (٢).

وأمَّا دعوى (صالح أبو بكر) بأنَّ التَّبرُّك بالنَّبي صلى الله عليه وسلم نوعُ وثنيَّة وتعلُّق بغير الله تعالى: فمُؤنةٌ مِن عقلِ هذا الرَّجل! فاضحةٌ لسوء فهمه لمصطلحاتِ الشَّريعة؛ فإنَّ لفظَ التَّقديس يحتمل معاني:

إن قُصدَ منه معنى التَّطهير ورفعِ الدَّرجة (٣): فإنَّه بهذا غير مختصٍّ بالله، بل هو ثابت لبعضِ خلقِه اصطفاءً، كقول الملائكة لمريم: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٤٢].

وإن قُصدَ بلفظ (التَّقديس): معنى التَّعظيم والتَّنزيه التَّعبُّدي، كالمَعنيِّ في حوارِ الملائكة لربِّهم: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: ٣٠]: فإنَّ هذا غير مَقصود في التَّبرُّك، فإنَّ التَّبرُّك هو التماس زيادة الخيرِ ونمائه وثبوته ودوامه (٤)، وليس هو عبادةً في نفسِه، ولا يلزم منه تعلُّقٌ بذاتِ المُتبرَّك به ممَّن أجاز الله تعالى فيه التَّبرك.

والمؤمنون يعلمون أنَّ الله هو خالق البركة وحدَه، وهو مَن وضعها في تلك الذَّات المُباركة، أو الزَّمان المُبارك، أو المكان المُبارك، وهو مَن أعلمنا بثبوتها


(١) «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٣٢٤).
(٢) «تفسير آيات أَشكلت» لابن تيمية (٢/ ٧٢٦).
(٣) انظر «لسان العرب» (٦/ ١٦٨ - ١٦٩).
(٤) «التبرك، أنواعه وأحكامه» لناصر الجديع (ص/٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>