وقد سَلَّم لهذه الشُّبهةِ مِن المتأخِّرين (محمَّد رشيد رضا)، ونظمَها في سِلك اعتراضاتِه على الحديث، قائلًا في إنكارها:«ذَكَر علماءُ الأصولِ أنَّ الَخبرَ اللُّغوي ما يحمل الصِّدقَ والكذبَ لذاتِه .. وذَكروا أنَّ مِمَّا يُقطعُ بكذبه: الخبرُ الَّذي لو كان صحيحًا لتَوفَّرت الدَّواعي على نقله بالتَّواتُر؛ إمَّا لكونه مِن أصول الشَّريعة، وإمَّا لكونه أمرًا غريبًا؛ كسقوطِ الخطيب عن المنبر وقتَ الخطبة.
ومِن المَعلوم بالبداهة أنَّ انشقاقَ القمرِ أمرٌ غريبٌ؛ بل هو في مُنتهى الغرابة الَّتي لا يُعَدُّ سقوط الخطيب في جانبها غريبًا؛ لأنَّ الإغماءَ كثيرُ الوقوع في كلِّ زَمَن .. وانشقاق القَمر غير مَعهودٍ في زَمَنٍ مِن الأزمان، فهو محالٌ عادةً وبحسب قواعد العلمِ مادام الكونُ ثابتًا، وإنْ كان ممكِنًا في نفسه لا يُعجِزُ الخالقَ تعالى إن أراده، فلو وقع لتوفَّرت الدَّواعي على نقله بالتَّواتر؛ لشدَّة غرابتِه عند جميع النَّاس في جميع البلاد، ومِن جميع الأُمَم» (١).
المعارض الثَّاني: أنَّ هذه الأحاديث معارضة للقرآن الَّذي دلَّ على امتناعِ إرسالِ الآياتِ الحسيَّة، لأنَّ التَّكذيبَ بها مُوجبٌ لتعجيل العذابِ، كما حصلَ للأُممِ السَّابقةِ حين كَذَّبت، فلَّما لم يُستأصَلْ أهل مكَّة بالعذاب، علِمنا أنَّ آية انشقاقِ القمر لم تَقَع.
وفي تقرير هذه الشُّبهة يقول (محمَّد الغزالي):
«عندما قَرأتُ حديثَ الانشقاقِ، شرعتُ أفكِّر بعمقٍ في موقف المشركين، إنَّهم انصرفوا مُكذِّبين إلى بيوتِهم ورِحالهِم، بعدما رَأوا القَمر فلقتين عن يمينِ الجبل وشماله، قالوا: سَحَرنا محمَّد، ومَضوا آمنين سالمين، لا عقابَ ولا عتابَ .. !
قلتُ: كيف هذا؟ .. إنَّ التَّكذيب بعد وقوع الخارقِ المَطلوب يوجِبُ هلاكَ المُكذِّبين! فكيف يُترَك هؤلاء المَكيُّون بدون توبيخٍ ولا عقوبةٍ بعد احتقارهم لانشقاق القمر؟! .. يؤكِّد القرآن الكريم هذا المنطق في سورة الإسراء: {وَمَا مَنَعَنَا