للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثيرًا ما يَقع للقمر الكسوف، فلا يشعر به النَّاس، حتَّى يخبرهم الآحاد منهم والأفراد مِن جماعتهم، وإنَّما كان ذلك في قدرِ اللَّحظة الَّتي هي مدرك البَصر» (١).

ثانيًا: أنَّ هذا إِنَّما يَلزَم لو جُوِّزَ استواءُ أهل الأرض في إدراكِ مَطالِعِه، ومِن المَعلوم أنَّ القَمَر لا يطلع على أهلِ الأرضِ كلِّهم في زمانٍ واحدٍ؛ بل يطلع على قوم قبل طلوعه على آخَرين (٢).

هذا إن لم يَحُل دون رؤيتِه في كثيرٍ مِن الأمكنة والأوقات سَحابٌ غَليظ أو جبال! وأهلُ البلاد الشَّمالية كشَمالِ آسيا وأورُبا في موسم نزول الثَّلج والضَّباب، لا يَرَون الشَّمسَ إلَّا أيَّامًا في كثير من الأوقات، فضلًا عن أن يروا القَمر! مع شيوع الجهلِ في تلك الدِّيار وقتئذٍ، وعدم رسوخ الكتابِ فيهم (٣).

ومع الأخذِ بعينِ الاعتبارِ: أنَّ زَمنَ الانشقاقِ كان قصيرًا لم يطُل، ولم تَتَوافر الدَّواعي على الاعتناءِ بالنَّظرِ إليه وقتها، إذْ لم تكُن مُتوقَّعة! فانتبهَ له مَن استشهدوا به، ولم يَرَه مَن كانوا في الأطرافِ، ولا استحالة في هذا (٤).

يقول أبو حامد الغزاليُّ: «إنَّ مِثلَ هذا إنَّما يَعلَمُه مَن قيل له: اُنظر إليه، فانشقَّ عقيبَ القولِ والتَّحدي، ومَن لم يَعلم ذلك، ووَقَع عليه بصرُه، ربَّما تَوهَّم أنَّه خَيالٌ انقَشَع، أو كوكبٌ كان تحت القَمر، فانجلى القَمرُ عنه، أو قطعةُ سحابٍ ستَرت قطعةً مِن القمر، فلهذا لم يتواتر نقلُه» (٥).

ثالثًا: دعواهم أنَّ أهلَ التَّواريخ لم ينقلوا ذلك؛ ممَّا يؤكِّد عدم حصول هذه الآية، يُقال فيه: نَفيُ العلمِ ليس بعلمٍ؛ ويكفي في تثبيتِ مثل هذا ألَّا يَرِدَ عن


(١) انظر «أعلام الحديث» للخطَّابي (٣/ ١٦١٩).
(٢) انظر «المُفهِم» للقرطبي (٧/ ٤٠٤)، و «إظهار الحق» (٤/ ١٠٤٠).
(٣) انظر «إظهار الحق» (٤/ ١٠٤٠).
(٤) «فيض الباري» للكشميري (٥/ ٤٠٨).
(٥) «المستصفى» (ص/١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>