للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممَّا يوطِّد هذا المعنى من السِّيرةِ النَّبوية:

ما ثبت على لسانِ ابن عبَّاس رضي الله عنه: مِن سؤالِ أهل مكَّة النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يجعلَ لهم الصَّفا ذهبًا، وأن يُنحيَّ الجبالَ عنهم فيزرعوا، فقال الله له: «إن شئتَ أن تَستأنيَ بهم، وإن شئتَ أن نُؤتيهم الَّذي سألوا، فإن كفروا أُهلكوا كما أَهلكتُ مَن قبلهم»، فقال: «لا، بل أستأني بهم» (١).

لكنَّ حادثة انشقاق القمر تختلف عن هذا، فإنَّ النَّفر مِن أهل مكَّة حين سألوا النَّبي صلى الله عليه وسلم آيةً قد أطلقوا الطَّلَبَ في ذلك، فلم يقترحوا آيةً من عندهم بعينِها يعلِّقون بها إيمانَهم! فقضى الله أن يُريَهم آيةَ انشقاقِ القمر (٢).

فهذا الفرق بين الحالتين؛ و (رشيد رضا) نفسُه أقرَّ بأنَّ آية الانشقاقِ إن صحَّ وقوعها بدون اقتراح سيزول هذا الإشكال مِن أصله (٣)؛ فها هو قد زال!

وأمَّا دعواهم في المعارضةِ الثَّالثة: أنَّ الآية الوحيدة الَّتي أُوتِيَها النَّبي صلى الله عليه وسلم هي القرآن: فقد سَبَق الجواب عنها في مَبحثِ مُعجزات النَّبي صلى الله عليه وسلم الحسيَّة في «الصَّحيحين»، والحمد لله الَّذي بنعمتِه تتِمُّ الصَّالحات.


(١) أخرجه أحمد في «المسند» (رقم: ٢١٦٦)، وقال أحمد شاكر: «إسناده صحيح».
(٢) وما ساقه (منصف الجزَّار) في كتابه «المخيال العربي في الأحاديث المنسوبة إلى الرَّسول» (ص/٣٦٩) في سياقِ تدليله على تناقضِ أحاديث انشقاق القمر، وهو ما أخرجه أبو نعيم في «دلائل النبوة» (ص/٢٧٩) من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال:
اجتمعت المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقالوا: إن كنتَ صادقًا، فشُقَّ القمرَ لنا فرقتين، نصفًا على أبي قُبيس، ونصفًا على قعيقعان، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فعلت تؤمنوا؟ قالوا: نعم .. فأمسى القمر قد مُثِّل نصفًا على أبي قبيس ونصفَا على قعيقعان .. ».
فهو حديث ساقط لا يصلح أن يُروى، فضلًا عن أن يُستشهد به، ففي إسنادِ أبي نعيم ثلاث فواقر: بكر بن سهل الدُّمياطي، عن عبد الغني بن سعيد الثَّقفي، وكلاهما ضعيفان، انظر «تاريخ ابن يونس» (١/ ٣٢١)، و «لسان الميزان» (٢/ ٣٤٤)، وعبد الغني هذا يرويه عن شيخه: موسى بن عبد الرحمن، وهو المعروف بأبي محمد المفسِّر، قال ابن حبان: دجَّال، وقال ابن عدي: منكر الحديث، انظر «لسان الميزان» (٨/ ٢١٠).
فالحديث منكر الإسناد والمتن معًا، ولو كان صحيح الإسناد لما قوي على دفعِ باقي الصِّحاح التي تثبت عدم اقتراح المشركين لشقِّ القمر، وإطلاقهم في الطلب.
(٣) «مجلة المنار» (٣١/ ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>