للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السِّيَر والحديث واحتفائِهم بهذه الحادثة، وعقْدهم المصنَّفات في بيانها، والتماس العِبَر منها، ونظْمها في دلائلِ النبوَّة (١)، وما ذاك إلَّا لكونها -كما أسلفتُ- مِن الدَّلائل العظيمة الَّتي أكرمَ اللهُ بها نبيَّه صلى الله عليه وسلم.

وممَّن نقل الاتِّفاق على ذلك: القاضي عياض السَّبتي، حيث قال: «لا خلاف بين المسلمين في صحَّة الإسراء به صلى الله عليه وسلم .. » (٢)، وأبو الخطَّاب ابن دِحية (٣)، حيث قال: «حديثُ الإسراء أجمع عليه المسلمون، واعترض فيه الزَّنادقة المُلحِدون .. » (٤).

ومُرتكَز هذا الإجماع: القرآن والسُّنة، فقد نَصَّ الله سبحانه على الإسراء في موضعين من كتابه العزيز:

أولاهما: قوله جل جلاله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الإسراء: ١].

فقد أخبر المولى أنَّه أسرَى بعبدِه، والعَبد مجموعُ الرُّوحِ والجَسد، ولم يُخبر أنَّه أَسرى بروحِه فقط، كما غَلِط في تأويلِه قِلَّةٌ مِن أهلِ العلم (٥)، ولذا نراه


(١) من تلك الأسفار التي خَصَّتْ هذه الحادثة بمزيد عناية: «الآيات العظيمة الباهرة في معراج سيد أهل الدنيا والآخرة» لشمس الدين محمد بن يوسف الشامي، وله عدَّة مصنفات في هذه الحادثة كلُّها مخطوطة، و «السراج الوهاج في ازدواج المعراج» لابن ناصر الدين الدمشقي، و «رسالة في المعراج» لأبي الحسن علي بن محمد اللخمي، و «الإسراء» لعبد الغني المقدسي، و «نور المسرى في تفسير آية الإسرا» لأبي شامة المقدسي، و «الآية الكبرى في شرح قصة الإسرا» لجلال الدين السيوطي، و «الإسراء والمعراج» للقاسمي، و «الإسراء والمعراج» لمحمد ناصر الدين الألباني، وغيرها كثير بين مطبوع ومخطوط، تجدها مسرودةً في «معجم الموضوعات المطروقة في التأليف الإسلامي» لعبد الله الحبشي (١/ ٩٣ - ٩٦).
(٢) «الشِّفا» (١/ ١٧٧).
(٣) أبو الخطاب عمر بن الحسين بن دحية الكلبي (ت ٦٣٣ هـ): المعروف بـ «ذي النَّسَبين» الأندلسيُّ السَّبتي، أحد الحُفَّاظ، من أعيان أهل العلم وفقه مالك، متقنا لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به، عارفًا بالنحو واللُّغة وأيام العرب وأشعارها، من مصفاته «المطرب من أشعار أهل المغرب»، و «عَلم النصر المبين، في المفاضلة بين أهل صفِّين»، انظر «سير أعلام النبلاء» (٢٢/ ٣٨٩).
(٤) «الابتهاج في أحاديث المعراج» لابن دحية (ص/٥٩).
(٥) انظر «زاد المعاد» لابن القيم (٣/ ٣٦)، حيث ردَّ على هذا القول، مع تنبيهه على أنهم لم يريدوا به أن الإسراء كان منامًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>