للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا دلائل ذلك مِن السُّنة الصَّحيحة:

فقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: «أُمِرت أن أقاتل النَّاس حتَّى يشهدوا أن لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمَّدًا رسول الله، ويقيموا الصَّلاة، ويؤتوا الزَّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصَموا منِّي دماءَهم وأموالَهم إلَّا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله» (١).

وعلى هذا مضى عَملُ الصَّحابة رضي الله عنهم مِن بعد نَبيِّهم صلى الله عليه وسلم، يُعلِنُها سُفراءُهم مُدويَةً في وجوهِ الملوكِ في مَواقف الدَّعوةِ والإنذار؛ من أشهر أمثلة ذلك خطابِ المغيرة رضي الله عنه لعاملِ كِسرى بقوله: « .. فأَمَرنا نبيُّنا رسولُ ربِّنا صلى الله عليه وسلم أن نُقاتِلَكم حتَّى تعبدوا الله وحدَه، أو تؤدُّوا الجِزيةَ، وأخبرنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم عن رسالةِ ربِّنا، أنَّه مَن قُتِل مِنَّا صارَ إلى الجنَّة، في نَعيمٍ لم يَرَ مثلها قطُّ، ومَن بقيَ مِنَّا مَلَكَ رِقابَكم» (٢).

وعلى هذا جرى فهمُ الفقهاءِ لهذا الباب في مُدوَّناتهم؛ أنَّ ابتداءَ قتالِ الكُفَّار وإن لم يبدؤونا هم بقتالٍ مَشروعٌ في دينِنا، نشرًا للدَّعوة، وتحكيمًا للشَّريعة؛ ما لم يُعطوا الجزيةَ فيدخلوا بذلك في ذِمَّة الإسلامِ وسلطانِه (٣).

وفي تقرير هذا الاتِّفاقِ يقول أبو بكر الجصَّاص: «لا نعلمُ خلافًا بين الفقهاء يحظُر قتالَ مَن اعتزل قتالَنا مِن المشركين» (٤).

بذلك نعلمُ أنَّ الغايةَ العُظمى مِن تشريعِ الجهاد: أن تكون كلمة الله العُليا، وأن يكون الدِّين كلُّه لله، وأن تُهيمِن شريعتُه في الأرض، لكن لمَّا قَضَت حكمةُ الله تعالى أن يكون مِن الكَفَرةِ طواغيتَ تَستنكِف مِن زُمرةِ المُوحِّدين، وتستعبِدُ رَعاياها لغيرِ ربِّ العالمين، فتحولُ بينهم وعَوْدتِهم إلى فِطَرِهم بيَقينٍ: لم


(١) أخرجه البخاري في (ك: الإيمان، باب: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}، رقم: ٢٥)، ومسلم في (ك: الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، رقم: ٣٦).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: الجزية، باب الجزية والموادعة مع أهل الحرب، رقم: ٣١٥٩).
(٣) كما جرى مثله على نصارى نجرانَ، انظر الخبر في ذلك عند أبي داود في «ك: الخراج والإمارة والفيء، باب: في أخذ الجزية، رقم: ٣٠٤١).
(٤) «أحكام القرآن» للجصاص (٣/ ١٩١)، وكذا نقل الاتفاق ابن تيمية في «مجموع الفتاوي» (٢٨/ ٣٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>