للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقتال، ثمَّ مأمورًا به لجميع المشركين، إمَّا فرضَ عَينٍ على أحدِ القَولين، أو فرضَ كفايةٍ على المَشهور» (١).

ومن الأدلَّة على ختمِ التَّشريع الجِهاديِّ بهذه المرحلةِ الثَّالثة:

قول الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [الأنفال: ٣٩]، فالمراد بالفتنةِ فيها: الشِّرك والكفر (٢)، ومعنى الآية: أنَّهم إن انتهوا عن الشِّرك والكفر بالإسلام، أو أعطوا الجزيةَ خاضعينَ، فكفُّوا عنهم.

ومِن ذلك أيضًا قول الله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: ٥].

يقول أبو العالية: «هذه أوَّل آيةٍ نَزَلت في القتالِ بالمدينة -يعني قولَه تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} - فلمَّا نَزلت، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل مَن قاتَله، ويكفُّ عمَّن كَفَّ عنه، حتَّى نَزَلت سورة براءة» (٣).

وكذا قاله عبد الرَّحمن بن زيد بن أَسْلم، وزادَ على ذلك أن قال: «هذه مَنسوخةٌ بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}» (٤).

يقول ابن القيِّم: «لمَّا نَزَلَت سورة براءة .. أمَرَه عز وجل فيها أن يُقاتِل عدُوَّه مِن أهل الكتاب، حتَّى يُعطوا الجزية، أو يدخلوا في الإسلام، وأمَرَه فيها بجهادِ الكفَّار والمنافقين والغِلظة عليهم .. وأمَرَه فيها بالبراءة مِن عهود الكُفَّار، ونبذِ عهودِهم إليهم» (٥).


(١) «زاد المعاد» (٣/ ٦٤).
(٢) انظر «جامع البيان» (١١/ ١٧٨)، و «جامع أحكام القرآن» (٧/ ٤٠٤).
(٣) «تفسير ابن أبي حاتم» (١/ ٣٢٥).
(٤) انظر «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (١/ ٥٢٣).
(٥) «زاد المعاد» (٣/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>