للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في شعبانَ سنة خمسٍ للهجرةِ (١)، أي بعد أن بَلَغَتهم الدَّعوة؛ فلأنَّهم تَحقَّقوا بما يُدعَون إليه ناصَبوا المسلمينَ العَداوةَ حتَّى حارَبوهم، فاستحقُّوا بهذا القِتالَ (٢)، مِن غير لزومِ تكرارِ دعوةٍ خاصَّة.

هذا حاصل جوابِ نافعٍ لِمن سَأَله عن لزومِ الدَّعوةِ قبل كلِّ مُواجهةٍ مطلقًا، أي أنَّ استدلاله بما حدَّثه به ابن عمر رضي الله عنه هو على عدمِ اطِّرادِ ذلك في كلِّ زَمَنٍ وحالٍ مع كلِّ قومٍ كما كان أوَّل الإسلام.

فكان التَّمَهُّل في فهْمِ الحديثِ على وجِهِه لنعمةً تُغنِينا عن تخطئةِ عَلَمٍ ثِقةٍ فقيهٍ، كمثلِ نافعٍ في رُتبتِه وفضلِه، ناهيك عن نَبْزِ (الغزاليِّ) لروايتِه بالاهتزازِ! فضلًا عن تشنيعِه على المُحدِّثين قِلَّة فَهمِهم حين قَبِلوا روايتَه! مع أنَّ مَن يُفضِّلُهم مِن الفقهاءَ مجمعون على قَبولِها والاحتجاجِ بها في أحكامِهم!

إنَّما اشتبَهَ الفهمُ على (الغزاليِّ) لما في ظاهرِ كلامِ نافعٍ مِن بَدءِ النَّبي صلى الله عليه وسلم لقتالِ بني المُصطلقِ دون دعوةٍ، فظنَّ أنَّ نافعًا يَستدلُّ بهذا المُجمَلِ على تَرْكِ الدَّعوة مطلقًا! وقد علمتَ أنَّ نافعًا مِن هذا الفَهمِ بَراء، ومثله لا يجهلُ ما كان بين الفَرِيقَينِ مِن حَربٍ وعَدواةٍ.

فلأنَّ العِلمَ بهذه الحالِ كان شائعًا في السَّائلِ وغيره مِن حملَةِ العلمِ زمَنَ نافعٍ: اختصرَ نافعٌ تفاصيلَ هذه الغَزوةِ وأسبابَها، واكتفَى مِن ذلك بما يصلُح شاهدًا على جوابِه للسَّائل، المُفيدِ لعَدمِ لزومِ تكرارِ دعوةِ مَن قد بلغته الدَّعوةُ فرَفضَها، فضلًا عمَّن جاهَرَ بحربِها كبَني المُصطلق، وأنَّ الدَّعوة إنَّما كانت لازمةً لكلِّ قبيلةٍ أوَّل الإسلام في المدينةِ، حيث كان صوتُ الدَّعوةِ الخارجيِّ خافتًا، لا تكادُ تسمعه قبائلُ العرب، والله تعالى أعلم.


(١) انظر «الفتح» لابن حجر (٧/ ٤٣٠).
(٢) وهذا ما يقرُّ به الغزالي كما في «فقه السيرة» (ص/١٢) حيث قال: «وقعت الخصومةِ بينهم وبين المسلمين، حتَّى أمسى كِلا الفريقين يُبيِّت للآخر، ويستعدُّ للنَّيلِ منه، فانتهزَ المسلمونَ فرصةً مِن عدوِّهم ـ والحرب خدعة ـ وأمكنَهم الغَلَب عليهم وهم غَارُّون».

<<  <  ج: ص:  >  >>