للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى التَّسليم للمُعترضِ بأنَّ هذا الفعل في ذاتِه مُثلة لا تجوز مطلقًا، فنقول:

إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم إمَّا أن يكون فعَلَه قبل أن يُوحَى له بنسخِ ذلك والنَّهي عنه: ودليل هذا ما جاء عن قتادة بعد روايتِه للحديث قال: «بَلَغَنا أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كان يحثُّ على الصَّدَقة، وينهى عن المُثْلَة» (١)، ونقله عن ابنِ سيرين قال: «أنَّ ذلك كان قبل أن تُنزَّل الحدود» (٢).

وإلى هذا مَيْلُ البخاريِّ (٣)، وحكاه الجُوينيُّ عن الشَّافعي (٤).

وإمَّا على القولِ بعدم ورود دليلٍ على النَّسخِ: فيكون فِعلُ النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن بابِ المماثلةِ في القَصاصِ لا غير، استصحابًا منه للأصل القرآنيِّ في قولِ ربِّنا: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [النحل: ١٢٦]، فيكون مُستثنى مِن المُثلة المَنهيِّ عنها (٥).

وسواء قلنا بهذا القول أو ذاك، يسلمُ الحديث مِن تشنعياتِ المعترضِين ولله الحمد.

أمَّا دعوى المُنكرِ في المعارضةِ الثَّانية: بأنْ لو كانت أبوالُ الإبِل دواءً لبعض الأمراض، لمَا جهل ذلك أهل الطِّب الحديث، فيُقال لأمثالِه:

إنَّ جهله بعَدمِ ذلك ليس عِلمًا بالعَدم! وجهلُه لاحقٌ بنوعِ المُرَكبِّ! لأنَّ الطِّبِ الحديث قد أثبتَ بعد تجارب وكشوفاتٍ مِخبريَّةٍ عديدةٍ، في عِدَّة كليَّاتٍ طبيَّة عَربيَّة وغربيَّة: أنَّ لبولِ الإبل فَعاليَّةً كبيرةً في علاجِ أمراضِ كثيرةٍ، منها: الاستسقاء، وتَليُّف الكبِد، وأمراضِ الكِلى المُستعصية، وإيقافه لتكاثر الخلايا


(١) أخرجه البخاري في (ك: المغازي، باب: قصة عكل وعرينة، رقم: ٤١٩٢).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: الطب، باب الدواء بأبوال الإبل، رقم: ٥٦٨٦).
(٣) انظر «نيل الأوطار» للشوكاني (٧/ ١٨٤).
(٤) «نهاية المطلب» للجويني (٢/ ٣٠٥).
(٥) انظر «المسالك» لابن العربي (٧/ ١٥٧)، و «شرح المشكاة» للطيِّبي (٨/ ٢٥٠٠)، و «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٣٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>