للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثَّانية: أن لا تكون النَّذارة وحُجَّة التَّوحيدِ بَلَغته.

فإذا كانت الحالة الأولى: فإنَّ كُفرَه حينئذٍ يكون كفر إباءٍ وإعراض، حيث أبَى الانقيادَ للتَّوحيد في جملةِ مَن أبى مِن العَرب ممَّن بلَغَته دعوته، واستمرَّ على ما هو فيه مِن عبادةِ الأوثانِ، واستمرَأَ ما عليه قومُه، وهذا الإعراضُ والإباءُ كان مُتفَشِيًا في كثيرٍ من العَرَب.

فبناءً على تقديرِ هذا الاحتمال: تكون الحُجَّة قد قامت على والِدِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، والَّذي دلَّنا على بلوغِها إيَّاه هذا الحديث الصَّحيح في مسلمٍ، حيث قرَّرنا أنَّ دخوله لا يكون إلَّا بعد بلاغ الحجَّة، فلولا هذا الحديث لتَوقَّفنا في حاله.

وأمَّا إن كانت الحالة الثَّانية: فإنَّ الحديثَ يكون إخبارًا منه صلى الله عليه وسلم عن مآلِ أبيه بعد الامتحانِ يوم القيامة، وأنَّه لن يُجيب داعيَ الله وقتَها!

وفي تقريرِ هذا الجوابِ، يقول ابنُ كثير: «إخبارُه صلى الله عليه وسلم عن أَبَويه وجدِّه عبد المطَّلِب بأنَّهم مِن أهل النَّار، لا ينافي الحديثَ الوارد عنه مِن طُرق متعدِّدة: أنَّ أهل الفترة، والأطفال، والمجانين، والصُّم، يُمتحنون في العَرصات يوم القيامة، .. فيكون مِنهم مَن يجيب، ومنهم مَن لا يجيب، فيكون هؤلاء مِن جملة مَن لا يجيب، فلا منافاة ولله الحمد والمنَّة» (١).

وأمَّا دعوى المُعترض الإِمَامِيِّ مِن أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يَزَل تُنقَل روحه مِن ساجد إلى ساجد، واحتجَّ بآيةِ: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}، فيكون أبو النَّبي مؤمنًا بظاهر هذه الآية، فجوابه:

أن لا وجه للاستدلال على إيمانِ كلِّ آباءِ النَّبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية، ولا أحَدَ مِن المُعتَبرين المُتقدِّمين قال بهذا التَّأويل فيما اطَّلعتُ عليه مِن كُتبِ التَّفاسير المُتقدِّمة، إنَّما هو قولٌ مُبتدعٌ مُتأخِّر.


(١) «البداية والنهاية» (٣/ ٤٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>