للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعذَر بجهلهم في الدُّنيا، ويُمتحنون في عَرصات يوم القيامة، كما وَرَدت بذا سالف الأخبار.

يقول ابن القيِّم: «إنَّ العذاب يُستحَق بسَبَبين:

أحدهما: الإعراض عن الحجَّة، وعدم إرادة العلمِ بها وبمُوجبِها.

الثَّاني: العِناد لها بعد قيامها، وترك إرادةِ موجبها.

فالأوَّل: كفر إعراض، والثَّاني: كفر عناد.

وأمَّا كفر الجهل، مع عدم قيام الحُجَّة، وعدم التَّمكُّن مِن معرفتها: فهذا الَّذي نفى الله التَّعذيب عنه حتَّى تقوم حجَّة الرُّسل» (١).

فبهذا التَّقسيم نتحقَّق بأنَّ الخوضَ في تَعْيِينِ أفرادٍ بكونِهم مِن مَعذوري أهلِ الفترةِ: هو مِن الغَيبِ الَّذي لا يَنبغي الإقدامُ عليه إلَّا بنصٍّ مُبينٍ، وهذا أوَّل مَزْلقٍ مَنهجيٍّ زَلَّ فيه مَن أثبتَ النَّجاةَ لأبِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، بصرفِ النَّظر عن مُصادمتِه للنَّقلِ النَّافي لدعواه!

وبه نعلم أيضًا: أنَّ أهل الفترة مِن العَرب ليسوا على وِزانٍ واحد، فإنَّ منهم مَن عذرُه قائم عند الله بجهلِه، ومنهم المُآخَذ على شركِه، لإبائِه بعد عِلمِه؛ وليس مِن غَرضِي هنا مُقارنةُ كلُّ فريقٍ من هذينِ بالآخر من حيث الكثرة والقِلَّة، ولا حجم كلٍّ منهما في جزيرةِ العَرب وقتَ البِعثة، بقَدْرِ ما يَنصبُّ اهتمامِي إلى تحديدِ تلك المَعالم المنهجيَّة في حكمِ كلٍّ فَريق منهما، وأصولِ الاستدلالِ على ذلك.

وبعد هذا التَّأصيل لحكم المسألةِ في عمومها، ندلفُ الآن إلى مَوضوعِنا الفَرعيِّ المُتعلِّق بحال والدِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: إذا تقرَّر ما سَبَق مِن تفصيل لأحكامِ أهلِ الفَترةِ؛ فإنَّ ما وَرَد في حَقِّ والِدِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم مِن نصٍّ نَبويٍّ لا يخلو مِن أحَدِ حالَين:

الأولى: أن يكون أبُ النَّبي صلى الله عليه وسلم قد بَلَغَته النَّذارة والحُجَّة.


(١) «طريق الهجرتين» (ص/٤١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>