للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُفيل (١) وهو يصدح في مَسامع قريش، مُسندًا ظهره إلى الكعبة قائلًا: «يا مَعاشر قريش، والله ما مِنكم على دين إبراهيم غيري .. » (٢)،

ويحتجُّ عليهم بأنَّ «الشَّاة خَلَقها الله، وأنزل لها مِن السَّماء الماء، وأنبتَ لها مِن الأرض، ثمَّ تذبحونها على غير اسم الله؟!» إنكارًا لذلك وإعظامًا له (٣).

وقد مرَّ قولُ مَن جعلَ أهلَ الجاهليَّة مُآخَذين، وليسوا مِن أهل الفترة المَعذورين، منهم النَّوَوي؛ وأفرط القَرافيُّ في دعوى الإجماع عليه (٤)!

ومَبنى قول هؤلاء كان مُؤسَّسًا على هذا الاعتبار: أنَّ العِبرة في المُؤاخذة بلوغُ النَّذارةِ نفسِها، وإن لم تكن على لسانِ النَّبي نفسِه (٥)، والله يقول: {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: ١٩]، وقالوا: إنَّما الآيات نَفَت إرسالَ نَذيرٍ يختصُّ بهؤلاء العَرب ويُشافِههم، وكون الزَّمانِ زمانَ فترةٍ، لا يمنع وجود بَقيَّةٍ مِن دعوةِ الرُّسلِ في بعضِ أنحاءِ الأرض.

والقسم الثَّاني: مَن فترتُهم مِن جِهةِ انقطاعِ نذاراتِ الرُّسل.

فهؤلاء فضلًا عن كونِهم لم يُدرِكوا نَبِيًّا، لم تبلغهم دعوة أيِّ منهم، أو بلغَت على وجهٍ من الشُّبهة واللَّبسِ يُحتَاج معه إلى مَزيد بيانٍ، فهؤلاء هم مَن


(١) زيد بن عمرو بن نفيل: بن عبد العزى، القرشي العدوي: أحد حكماء قريش، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، لم يدرك الإسلام، وكان يكره عبادة الأوثان، ولا يأكل مما ذبح عليها، رحل إلى الشام باحثا عن عبادات أهلها، فلم تستمله أديانهم، فعاد يلتمس دين إبراهيم عليه السلام، وجاهر بعداء الأوثان، توفي قبل البعثة النبوية بخمس سنين، انظر «تاريخ دمسق» (١٩/ ٤٩٣).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: المناقب، باب: باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، رقم: ٣٨٢٨) ..
(٣) أخرجه البخاري في (ك: المناقب، باب: باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، رقم: ٣٨٢٦).
(٤) «شرح تنقيح الفصول» (٢/ ٢٩)، وليس يُوافق القرافي على دعوى الإجماع هذه، وأعجب له كيف ينقل الإجماع بهذا وأصحابه الأشاعرة هم أول المخالفين فيه! وللقرافي غيرها من المسائل التي غلط في نقل الإجماع فيها، ذكر عددا من أمثلتها د. حمزة الفعر في مقدمة أطروحته الدكتوراه في تحقيق «شرح تنقيح الفصول» للقرافي (١/ ١٦٢).
(٥) وإنْ كان في تعميمِ حكمهم هذا على جميعِ أهلِ الجاهليَّة نَظَر، كما أسلفنا الإشارة إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>