للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كان المَنظور ظاهرَ الحُسن مثلًا، وهذا لا عَيب في نفسِه على صاحبِه، إذ لا مِلكَ للجِبِلَّة في دفعِه.

فلمَّا كان هذا واردَ الحصولِ ولو للصَّالحين مِن أُمَّته، نَدَبهم صلى الله عليه وسلم إلى جماعِ الحَليلةِ بقولِه ليُمتثل أمرُه، وبفعلِه ليُقتدى به، خوفًا عليهم مِن استحكامِ داعي فتنةِ النَّظَر، فيسكُنَ بذلك حَرُّ الشَّهوة، ويَحسِمَ المرءُ عن نفسِه ما يتوقَّع وقوعَه (١).

وفي تقريرِ هذه الحكمة النَّبويَّة الجليلة، يقول ابن العَربيِّ:

«هذا حديثٌ غريب المعنى، لأنَّ الَّذي جَرى للنَّبي صلى الله عليه وسلم سِرٌّ لا يعلَمه إلَّا الله، ولكنَّه أذاعَه عن نفسِه، تسليةً للخلق، وتعليمًا لهم، وقد كان آدميًّا ذا شهوةٍ، ولكنَّه مَعصوم عن الزَّلة، وما جَرى في خاطرِه حين رأى المرأةَ لا يُؤاخَذ به شرعًا، ولا يُنقص مِن مَنزلتِه، وذلك الَّذي وَجد في نفسِه مِن إعجابِ المرأة هي جِبِلَّة الآدميِّين الَّتي تحقِّق بها صِفتها، ثمَّ غَلَبها بالعِصمة فانقطعت، وجاء إلى الزَّوجة ليقضي فيها حقَّ الإعجابِ والشَّهوة الآدميَّة بالاعتصامِ والعِفَّة» (٢).

وخيرُ الهَدْيِ هَديُ محمَّد صلى الله عليه وسلم.


(١) يقول المُناوي في «فيض القدير» (١/ ٣٥٢): «أمَّا لو وَطِئ حليلَته متفكِّرًا في تلك، حتَّى خَيَّل لنفسه أنَّه يطؤُها: فهذا غيرُ مُرادٍ بالحديث».
(٢) «عارضة الأحوذي» (٥/ ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>