للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول القاضي عياض في مَعرضِ استحسانِه لهذا الجوابِ النَّبويِّ للسَّائل وتعليلِه: «غايةٌ في البَيانِ للسَّائل، بإخبارِه عن فعلِ نفسِه، وأنَّه مماَّ لا تَرخُّص فيه، .. وفيه أنَّ ذكرَ مثل هذا على جهةِ الفائدةِ غير مُنكرٍ مِن القول، وإنَّما يُنكَر عنه الإخبار منه بصورةِ الفِعل، وكشفِ ما يُتسَتَّر به من ذلك، ويحُتشَمُ مِن ذِكره» (١).

ودعوى المعترض مناقضة الحديث لغيره مِن الأخبارِ في اشتراطِها الإنزالَ لوجوبِ الغُسل، يعني جوابَه صلى الله عليه وسلم لعتبان رضي الله عنه حين سألَه عن الرَّجل يعجَلُ عن امرأتِه ولم يُمْنِ، فقال له: «إنَّما الماء من الماء» (٢)؛ وقولَه: «إذا أُعْجِلت أو أَقْحَطتَ فلا غُسل عليك، وعليك الوضوء» (٣):

فهذان الحديثان وأشباههُما قد نُسخا بمثلِ الحديثِ الَّذي رَدُّوه لأجلِها، فلا إشكال، وهذا ما عليه جمهور أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعةُ الفقهاء والمُحدِّثين (٤).

يقول أُبيُّ بن كعب رضي الله عنه: «إنَّما كان الماء مِن الماء رخصةً في أوَّل الإسلام، ثمَّ نُهي عنها» (٥).

وأمَّا دعوى المُعترضِ في الشُّبهة الرَّابعة من أنَّ خَبَرَ نَظَرِه صلى الله عليه وسلم إلى أجنبيَّةٍ وإثارةِ شهوتِه يُوحي باستيعابِه جميعَ هيئتِها، وفي ذلك مخالفة لفريضةِ الغضِّ للبَصَر!:

فليس في الحديث إطالةُ النَّبي صلى الله عليه وسلم النَّظر إلى المرأةِ، ولا هو بشرطٍ أن يستوعِب هيأتَها حتَّى تَقَع في النَّفسِ شهوةٌ، بل تقع بنَظرِ الفجأةِ ولو بغير قصد،


(١) «إكمال المعلم» (٢/ ١٩٩).
(٢) أخرجه مسلم في (ك: الحيض، باب: إنما الماء من الماء، رقم: ٣٤٣).
(٣) أخرجه البخاري في (ك: الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين: من القبل والدبر، رقم: ١٨٠)، ومسلم في (ك: الحيض، باب: إنما الماء من الماء، رقم: ٣٤٥).
(٤) انظر «شرح معاني الآثار» للطحاوي (١/ ٥٤ - ٦١)، و «شرح النووي على مسلم» (٤/ ٣٦).
(٥) أخرجه أبو داود في (ك: الطهارة، باب: في الإكسال، رقم: ٢١٤)، والترمذي في (ك: الطهارة، باب: ما جاء أن الماء من الماء، رقم: ١١٠) واللفظ له، وقال: «هذا حديث حسن صحيح».

<<  <  ج: ص:  >  >>