للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ غَلَطٌ هنا أن يُقال إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يُجِب أبا سفيان بالرَّفض اتِّكالًا منه على ما أجاب به أمَّ حبيبة، أو على ما كان اشتهر من تحريم الجمع بين الأختين (١)؛ فإنَّ قوله له: «نعم» لونٌ مِن التَّعمية على السَّائل! يَتنزَّه عنه النَّبي صلى الله عليه وسلم، وتأخيرٌ للبيانِ عن وقت الحاجة إليه، وأبو سفيان إنَّما يَرْقُب الجواب من النَّبي صلى الله عليه وسلم لا من أمِّ حبيبة (٢).

ودعوى اشتهار تحريمِ الجمع بين الأختين، لا يَمنعُ أن يُفَادَ بحكمِه مَن عُلِم جهلُه به بقرائن الحال، خاصةً مَن كان حديثَ إسلامٍ كأبي سفيان.

أقول: فالحقُّ أنَّ الدِّفاع عن هذه الرِّواية ضَعيف غير متماسكٍ، وتغليطُ الرَّاوي بالوَهم أولَى مِن تأويلِ مَرْوِيِّه بالمُستكرَه مِن الوجوه، ترى مِصداقَ هذا التَّقعيدِ في بابِ المُشكلاتِ من الأخبار في قولِ ابن القيِّم بعدِ أن أتَمَّ نقْضَ توجيهاتِ هذا الحديث، قال:

«هذه التَّأويلات في غايةِ الفَساد والبُطلان، وأئِمَّة الحديث والعِلْم لا يرضَون بأمثالهِا، ولا يصحِّحون أغلاطَ الرُّواة بمثلِ هذه الخيالات الفاسدة، والتَّأويلات الباردة، الَّتي يَكفي في العلمِ بفسادِها تَصَوُّرها وتأمُّل الحديث» (٣)، «ولا تفيد النَّاظرَ فيها عِلمًا، بل النَّظرُ فيها والتَّعرُّض لإبطالِها مِن مَناراتِ العِلم، والله تعالى أعلم بالصَّواب» (٤).

قلت: ومِمَّا رُدَّ به هذا الحديث أيضًا:

ما أشارَ إليه الغُماري آنفًا مِن قولِ القرطبيِّ: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم في الحديث وَعَد أبا سفيانٍ أن يُؤمِّرَه، ليُقاتل المشركين كما كان يُقاتل المسلمين، لكن لم يَنقُل أحَدٌ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قد أمَّرَ أبا سفيانٍ على جيشٍ بالمرَّة. (٥)


(١) كما ذهب إليه خليل ملَّا خاطر في «مكانة الصَّحيحين» (ص/٤٠٧).
(٢) وعلى المُدَّعي لهذا قبل كلِّ شيءٍ أن يُثبت أنَّ جواب النَّبي صلى الله عليه وسلم لعرضِ أمِّ حبيبة كان أسبق مِن حيث التَّاريخ مِن عرض أبي سفيان! حتَّى يُقال أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يُجبه اتِّكالًا على جوابه لأمِّ حبيبة.
(٣) «تهذيب السُّنن» (٦/ ٧٦).
(٤) «جلاء الأفهام» (ص/٢٥٢).
(٥) انظر «الإفصاح» لابن هبيرة (٣/ ٢٥٠)، و «كشف المشكل» لابن الجوزي (٢/ ٤٦٣)، و «زاد المعاد» لابن القيم (١/ ١٠٧)، و «التنبيهات المجملة» للعلائي (ص/٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>