للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان الحديث موضوعًا في نظر ابن حزم، وكانت آفتُه عكرمة بن عمَّار، فالنَّتيجة أنَّ عكرمة وَضَّاع! فعليه اشتَدَّ نكيرُ العلماء على ابن حزمٍ، وبَالغوا في تخطِئتِه، وكان المُبادِر إلى هذه التَّخطئةِ فيما أحسِبُ: محمَّد بن طاهر المقدسيُّ، حيث عَقَّب على كلامِه هذا في الحديث، بأنْ قال:

«هذا كلامُه بعينِه ورُمَّتِه، وهو كلامُ رَجلٍ (مُجازفٍ) (١)، هَتَك فيه حُرمةَ كتابِ مسلم، ونَسَبَه إلى الغَفلةِ عمَّا اطَّلَع هو عليه، وصَرَّح أنَّ عكرمة بن عمَّار وَضَعَه، وهو ارتكابُ طريقٍ لم يسلكه أئمَّةُ أهل النَّقل وحفَّاظُ الحديث.

فإنَّا لا نَعلم أحدًا منهم نَسَب عكرمة إلى الوضعِ البتَّة، وهم أهلُ زمانِه الَّذين عاصروه، وعرفوا أمرَه، بل وَثَّقوه، وحملوا عنه، واحتجُّوا بأحاديثِه، وأخرجوها في الدَّواوين الصَّحيحة، واعتمد عليه مسلم في غير حديثٍ مِن كتابه الصَّحيح، وروى عنه الأئمَّة، مثل عبد الرَّحمن بن مهدي، وعبد الله بن المبارك، وأبي عامر العَقديِّ، وزيد بن الحُباب، فمَن بعدهم (٢)، وهم الأئمَّة المُقتدى بهم في تزكية الرُّواة الَّذين شاهدوهم وأخذوا عنهم» (٣).

ثمَّ ذَكر ابن طاهرٍ بسندِه عن وكيعٍ ينقُل عن عكرمة قال فيه: «كان ثقةً»؛ وعن يحيى بن مَعين قال: «عكرمة بن عمَّار صَدوق وليس به بأس، وفي روايته كان أمينًا وكان حافظًا».

وعن الدَّارقطني أنَّه قال: «عكرمة بن عمَّار يَماميٌّ ثِقة».

ثمَّ قال ابن طاهر: « .. فكان الرُّجوع إلى قولِ الأئمَّةِ الحُفَّاظ في تعديلِه أَوْلى مِن قولِه وحدِه في تجريحِه» (٤).


(١) كذا في كتاب «إمتاع الأسماع» (٦/ ٧٧ - ٨٠)، وفي مخطوط «المصباح في عيون الصِّحاح - جزء أفراد مسلم» لعبد الغني المقدسي: «مُخرِّف».
(٢) في المطبوع مِن «إمتاع الأسماع»: (ففي مسلم)، وهو تصحيف، وتصحيحه مِن مخطوط «المِصباح».
(٣) «المصباح في عيون الصحاح - جزء أفراد مسلم» لعبد الغني المقدسي (مخطوط: ق ١١ أ)، دمجت فيه بعض ألفاظ الرواية التي نقلها المقريزي عن كتابه «الانتصار».
(٤) «إمتاع الأسماع» (٦/ ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>