للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجائزٌ أن يكون كان ادعاءُهم عليه قَتْلَ أخيه هارون، وجائزٌ أن يكون كلُّ ذلك، لأنَّه قد ذُكِر كلُّ ذلك أنَّهم قد آذَوْه به» (١).

وفي حديث أبي هريرة هذا مثالٌ عجيبٌ على أذِيَّةِ بني إسرائيل لموسى عليه السلام واختلافهم، فإنَّهم أوَّلًا خالفوا نبيَّهم ولم يتَّبعوه في طريقتِه، ثمَّ لم يكتفوا بذلك حتَّى لم يَحْمِلوا فِعْلَه الَّذي هو في غايةِ الحُسنِ على مَحملٍ حَسنٍ، وهو التَّمسُّك بمَحاسِن الأخلاق، بل جَعلوا سَبَبَه نَقْصًا في بَدَنِه! هذا الافتراء في نفسِه أذًى، وإن لم يَكُن واجبَ التَّنزيه عمَّا اختُلِق عليه.

ثمَّ هم لم يذكروا ذلك على سَبيلِ الاحتمالِ، بل جَزَموا به! وأكدَّوا ذلك بأن أقسموا عليه، وحَصَروا الأمرَ فيه، فلم يجعلوا الحاملَ له عليه سِواه، وهذا غايةُ العُتوِّ، ونهاية التَّجَنِّي.

فلهذا أظهر الله براءتَه بأمرٍ اشتمَلَ على عِدَّةِ خَوارق للعادات، وقَصَّ قصَّتَه على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، كي يكونَ لأمتِّه في ذلك عِبرة (٢)؛ والحمد لله.


(١) «جامع البيان» (١٩/ ١٩٤ - ١٩٥)، وانظر «تفسير ابن كثير» (٦/ ٤٨٦).
(٢) انظر «طرح التثريب» (٢/ ٢٢٨ - ٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>