للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا القولان الأخيران: فمَحْضُ اجتهادٍ مِن أصحابِها، وأَمارة الرَّفع فيها ضَعيفة.

وأمَّا القول الثَّاني في ما رُوِيَ عن عليٍّ رضي الله عنه (١): فعلى تقديرِ صِحَّتِه عنه، فلا تَعارُضَ بين قولِه وحديثِ أبي هريرة هذا؛ بما أبَان عنه الطَّحاوي في قولِه: «مَن لا عِلْم عنده مِمَّن وَقَف على هذين الحديثين يَرَى أنَّهما مُتضادَّان، وحاشا لله أن يكونا كذلك! لأنَّه قد يجوز أن تكون بنو إسرائيل آذتْ موسى عليه السلام مِمَّا ذُكِر، مِمَّا كان، مِمَّا آذته به، في كلِّ واحدٍ مِن الحديثين، حتَّى برَّأه الله مِن ذلك بما بَرَّأه به مِن ذلك، ممَّا هو مَذكور في هذين الحديثين» (٢).

وفي مثلِ هذا المَقام مِن الاختلافِ في التَّفسير يسوغ لنا أن نقول: إنَّ كلَّ الأقوالِ الأربعةِ السَّالفِ ذكرُها في الآيةِ لا تَضادَّ بينها، ما دام لفظُ الآية يتناولها كلَّها، لصدقِ أنْ يكون كلٌّ منها أَذيَّةٌ لموسى حقيقةً، وأنَّ الله برَّأه منها كلِّها مِمَّا اِفتَرَوه عليه.

فالأربعةُ مِن قبيلِ اختلافِ التَّنوعِ بين أوجِه التَّفسير لا اختلافِ التَّضاد، وأصلُ كلِّها داخلٌ في بابِ «التَّفسير بالمثالِ»، ومعناه: «أن يَعْمدَ المفسِّر إلى لفظٍ عامٍّ، فيذكُرَ فَرْدًا مِن أفراده على سَبيل المثالِ لهذا الاسمِ العامِّ، لا على سَبيلِ التَّخصيصِ أو المُطابقة» (٣).

وفي تقريرِ احتمالِ الآيةِ لتنوُّعِ مَحامِلها، يقول ابن جَرير: «أَوْلى الأقوال في ذلك بالصَّوابِ، أن يُقال: إنَّ بني إسرائيل آذَوْا نَبيَّ الله ببعضِ ما كان يَكرَه أن يُؤذَى به، فبَرَّأه الله ممَّا آذوه به، وجائزٌ أن يكون ذلك كان قِيلَهم: إنَّه أبْرَص،


(١) أخرجه عنه أبو حاتم في «تفسيره» (١٠/ ٣١٥٨، رقم: ١٧٨٠٢)، والطبري في «تفسيره» (١٩/ ١٩٤)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (١/ ٦٨)، وضعَّف ابن حجر سَنده في «الفتح» (٦/ ٤٣٨)، ولم يبيِّن وجهَ ضعفِه مع أنَّ ظاهر إسناده الصحَّة.
(٢) «شرح مشكل الآثار» (١/ ٦٩).
(٣) انظر شرح هذا النوع من التفسير في «أصول التفسير» لابن تيمية (ص/١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>