للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيها: أنَّه حَصَل عند السَّيد موسى عليه السلام في ذلك الوقتِ حِدَّة، فلولا تَأثُّر الحَجَر بضربِه، وظهور أثَرِه فيه: لزادَتْ حِدَّةُ السَّيد موسى مِن عَدَم حصولِ مقصودِه، وهذا كتشبيهِ مَن يحاول أمرًا ولا يصِل إليه: بالضَّاربِ في حديدٍ باردٍ، فلولا تأثُّر الحَجر بالضَّرب لكان الضَّرب فيه كالضَّرب في حديدٍ باردٍ.

ثالثُها: أنَّه لولا تأثُّر الحَجر بالضَّرب، وبقاء النَّدب فيه: لعَدَّ أهلُ السَّفاهةِ والجهلِ والعُتوِّ والاختلاقِ هذا عَبَثًا، فكان يحصُل لموسى عليه السلام بذلك أذًى زائدٌ على ما تقدَّم، والقصد رفعُ الأذى عنه، لا جلبُه إليه» (١).

وأمَّا جواب المعارضةِ الثالثة: في دعواه أنَّ المقصود بالآية الكريمةِ تحذيرَ الأمَّة من إيذاءِ النَّبي صلى الله عليه وسلم كما آذت بنو إسرائيل موسى عليه السلام حين اتَّهمته بالسِّحر والكذب أو قتلِ أخيه .. إلخ:

فلا يُنكَر اختلافُ أهل التَّأويل في المُراد مِن قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا}.

فإنَّ منهم مَن قال: إنَّ بني إسرائيلَ قالت أنَّ بموسى آفةً في جسَدِه من أدرةٍ أو برصٍ ونحوهما، كما ذكرنا في الحديث.

وقيل: أنَّه صَعِد الجَبَل ومعه هارون، فمات هارون فقالوا: أنتَ قتلتَه، رُوي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وقيل: أنَّ قارون استأجَرَ بَغِيَّةً لتقذف موسى بنفسِها على ملأٍ من بني إسرائيل، فعصمها الله، وبرَّأ موسى مِن ذلك، قاله أبو العالية (٢).

والقول الرَّابع: أنَّهم رَموه بالسِّحر والجُنون، حكاه الماوَرديُّ (٣).


(١) «طرح التثريب» (٢/ ٢٣١).
(٢) رفيع بن مهران، أبو العالية الريَّاحى البصرى، المقرِئ، الحافِظُ، المُفَسِّرُ، ثقة من كبار التابعين، توفي (٩٠ هـ وقيل ٩٣ هـ)، انظر «سير أعلام النبلاء» (٤/ ٢٠٧).
(٣) انظر هذه الأقوال في «جامع البيان» للطبري (١٩/ ١٩٠)، و «النكت والعيون» للماوردي (٤/ ٤٢٧)، و «زاد المسير» لابن الجوزي (٣/ ٤٨٥).
والماورديُّ: هو علي بن محمد حبيب، أبو الحسن البصري، من علماء الشَّافعية، ومن أقضى قضاة عصره، انتقل من البصرة إلى بغداد، وكان يميل إلى مذهب الاعتزال، من تصانيفه «النكت والعيون» في التفسير، و «أدب الدنيا والدين»، انظر «تاريخ بغداد» (١٣/ ٥٧٨)، و «الأعلام» للزركلي (٤/ ٣٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>