للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الجواب عن المعارضة الثَّالثة: في دعوى أنَّ في رجوعِ ملَك الموتِ المأمورِ مِن الله تعالى بقبضِ روح موسى عليه السلام دون تحقيقِ ما أُمر به مِن ذلك مخالفةٌ لأمرِ الله.

فيُقال فيه: لا برهان للمُعترض على أنَّ ما أُمِر به مَلَك المَوت مِن قَبضِ روحِ موسى عليه السلام كان على سبيل الإيجاب والإلزام الفوريِّ! بل المعلوم مِن سُنَّة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم أنَّ أمْرَ الله بقبضِ روحِ الأنبياءِ هو في حقِّهم على سبيل التَّخيير.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح: «إنَّه لم يُقبَض نبيٌّ حتَّى يَرى مقعدَه مِن الجنَّة، ثمَّ يُخَيَّر» (١).

فرجوع ملَك الموت دون تحقُّق ما أُمِر به، هو بسببِ ما ظنُّه مِمَّا فعله به موسى عليه السلام أنَّه لا يريد الموت، وهو ما صَرَّح به لربِّه عز وجل -كما جاء في الحديث-: «أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت! .. ».

هذا مع ما أُمِر به المَلَك عليه السلام مِن التَّلطُّف في قبضِ روحِ كليمِ الله (٢)، فلأجلِ ذلك لم يُدافع موسَى حينَ لَطَمَه؛ فضلًا عن أنَّ اللَّطمة وما فوقها لا تضرُّ المَلَك في شيءٍ ولا تُؤذيه! اللَّهم إلَّا ما قد لحِق الصُّورة الظَّاهرة مِن تشوُّهٍ في تركيبة العينِ، أعادها الله كما كانت عند إرسالِ المُتصوِّر بها إلى موسى أوَّل مرَّة.

وفي هذا جواب المعارضة الرَّابعة أيضًا.

والحمد لله الَّذي تتِّم بنعمتِه الصَّالحات.


(١) أخرجه البخاري في (ك: المغازي، باب: باب آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: ٤٤٦٣)، ومسلم في (ك: فضائل الصحابة، باب: فضل عائشة، رقم: ٢٤٤٤).
(٢) «كشف المشكل» لابن الجوزي (٣/ ٤٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>