للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّه عليه السلام نبيٌّ مُرسل .. ، وهو مع جليل قدرِه في نُبُوَّته، وعلوِّ دَرَجته في رسالتِه أخو موسى لأبيه وأمِّه، وأكبرُ سِنًّا» (١).

أمَّا الجواب عن الجِهة الثَّانية مِن المعارضة الثَّانية: وهي دعواهم أنَّ ذلك مُنافٍ لمِا ينبغي أن يكون عليه عباد الله الصَّالحون -عن أولي العزم من الرُّسل- مِن عظيم الشَّوق للقاء الله، وقد دلَّ الحديث على انتفاءِهِ في حقِّ موسى عليه السلام في قولِ الملَك: «أرسلتنِي إلى عبدٍ لا يريد الموت»؛ فيُقال فيه:

أوَّلًا: ما ذكره مَلَك الموت عليه السلام لربِّه هو مَبلغ علمِه مِن ظاهرِ حاله عليه السلام، وقد وَقَع نظير هذا الظَّن مِن الملائكةِ حين خَفِي عليهم حكمةُ الله تعالى في استخلافِه لأَصلِ البَشر آدمَ عليه السلام في الأرض، حيث قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٣٠].

يقول محمَّد العلويُّ المكناسيُّ (ت ١٣٦٧ هـ): «فهذا الَّذي ظنَّه الملائكة بآدم عليه السلام هو نَظير ما ظنَّه مَلَك الموتِ هنا بموسى عليه السلام، وهذا الَّذي أجابَ الله تعالى الملائكةَ به في هذه الآية، هو عينُ الجواب لملَك الموت هنا، المستفاد ممَّا اختاره موسى أخيرًا» (٢).

ثانيًا: حين تحقَّقَ موسى عليه السلام في المرَّة الثَّانية كونَ الَّذي جاءه المرَّة الأولى ملَك الموت عليه السلام لم يدفعه، بل حينما خيَّره بين البقاء في هذه الدُّنيا مُددًا طويلة بقدر ما تقع يده عليه مِن شعر الثَّور، وبين الموتِ: اختار عليه السلام الموتَ! وفي هذا برهانٌ على زُهدِه عن البقاءِ في هذه الدُّنيا بعد إخبارِ الله تعالى له ببقائِه إن أراد آمادًا طويلة، وإيثارِه لقاءَ الله تعالى على الخلودِ فيها.


(١) «بحر الفوائد» للكلاباذي (ص/٣٥٧).
(٢) «توضيح طرق الرشاد» لمحمد العلوي (ص/٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>