للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يُؤجرون عليه، ويقولون بما يُبطله الإسلامُ، جهلًا منه لمعاني الأخبار، وترك التفقُّهِ في الآثار، معتمدًا منه على رأيِه المنكوسِ، وقياسه المعكوس» (١).

فهذا القولُ أوجهُ الأقوالِ في نظري في تفسيرِ الخبر، وأمْشاه مع المُحْكَمِ المَعلومِ مِن سُموِّ أَخلاقِ الأَنبياء، وصَلَابةِ ديانتهم، وتحاميهم عمَّا يقبحُ، ولم أَرَ -بحسب اطِّلاعي- مَن اعترضَ على هذا التَّوجيه، خِلافًا لبعضِ توجيهاتٍ أُخرى، كلُّها فُوِّقت لها سِهام النَّقد والاعتراض.

وأمَّا جواب الجهةِ الأولى مِن المعارض الثَّاني: من دعواهم أَنَّ في فِعْلِه عليه السلام مراغمةً منه، حيث اعتدى على رسولٍ لله، وكون ذلك لو فعَلَه أحد مِن الناس، لعُدَّ باغيًا فاسقًا .. إلخ؛ فيُقال في جوابه:

إنَّ ذلك -كما قلنا- قد يَصحُّ لو عَلِمَ موسى عليه السلام بأنَّ ذلك الدَّاخل عليه هو مَلَك الموت، وقد استبانَ خفاءُ ذلك على موسى عليه السلام، وأنَّ هذا هو اللَّائق الَّذي ينبغي حَمْلُ فعله عليه.

ثمَّ إنَّ صنيعَ موسى عليه السلام مع الملَك ليس بأقلَّ مِن صنيعِه بنبيِّ الله هارون عليه السلام، حين أخذ بلحيته وبرأسه يجرُّه إليه! «وكأنَّ الوحشةَ لمِا تضمَّنه حديثُ لطمِ ملَك الموت إِنَّما وقعت للمُنكرين دون أخذِه بلحيةِ أخيه هارون عليه السلام: لورودِ الأوَّل عن طريقِ الحديث لا القرآن! وإلَّا فكِلتا الحادثتين بينهما قدرٌ مُشترك» (٢).

وفي تقرير هذا التَّشابه، يقول الكلاباذيُّ: «ليس الجرُّ، والخشونة، والغِلظة، والدَّفعُ، بأقلَّ من الدَّفعِ عنك بالخُشُونةِ والغِلظة، وهو الصَّكُّ واللَّطم، دفعٌ عنك بِغِلْظةٍ وخشونة فما سواه، وليس هارون بأَدْوَن منزلةً مِن مَلَك الموت -صلوات الله عليهما-، بل هو أَجلُّ قدرًا منه وأعلى مرتبة، وأَبينُ فَضْلًا .. ؛


(١) «صحيح ابن حبان» (١٤/ ١١٤ - ١١٦، بترتيب ابن بلبان).
(٢) «دفع دعوى المعارض العقلي» (ص/٣٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>