أو بعضهم، وهذا الخبر مِن الأَخبار الَّتي يُدرِك معناه مَن لم يُحرَم التَّوفيقَ لإصابةِ الحقِّ، وذاك أنَّ الله -جلَّ وعلا- أَرسلَ ملكَ الموت إلى موسى رسالةَ ابتلاءٍ واختبارٍ، وأَمَرَهُ أن يقول له: أَجِب ربَّك أمرَ اختبارٍ وابتلاءٍ، لا أمرًا يريد الله -جلَّ وعلا- إمضاءَهُ، كما أمَرَ خليلَه -صلَّى الله على نبيَّنا وعليه- بذبحِ ابنِه أَمرَ اختبارٍ وابتلاءٍ، دون الأمر الَّذي أراد الله -جلَّ وعلا- إمضاءَه، فلمَّا عَزَم على ذبحِ ابنِه، وتَلَّه للجبين، فداه بالذِّبح العظيم.
وقد بعث الله -جلَّ وعلا- الملائكةَ إلى رُسلِه في صُوَرٍ لا يعرفونها .. فكان مَجيء ملَك الموت إلى موسى عليه السلام على غير الصُّورة التي كان يعرفه موسى عليها، وكان موسى غَيورًا، فرأى في داره رجلًا لم يعرفْهُ، فَشَال يدهُ فلطَمَهُ، فَأتَتْ لطمتُهُ على فقءِ عينِه الَّتي في الصُّورة الَّتي يتصوَّر بها، لا الصُّورة الَّتي خلقه الله عليها.
ولمَّا كان مِن شريعتنا أنَّ مَن فَقأ عين الدَّاخلِ دارَه بغير إذْنهِ، أو النَّاظرِ إلى بيتهِ بغير جُناحٍ على فاعله، ولا حَرَجَ على مرتكبه؛ للأخبار الجمَّةِ الواردة فيه .. كان جائزًا اتِّفاقُ هذه الشَّريعة بشريعةِ موسى عليه السلام بإسقاطِ الحرجِ عمَّن فَقأ عينَ الدَّاخل دارًا بغير إذنه، فكان استعمالُ موسى هذا الفعل مباحًا له، ولا حَرج عليه في فعله.
فلمَّا رَجع مَلَك الموت إلى ربِّه وأخبرَه بما كان مِن موسى فيه، أمَرَه ثانيًا بأمرٍ آخر، أمرِ اختبارٍ وابتلاءٍ -كما ذكرنا قبل- إذ قال الله له: قل له: إن شئتَ فضع يدَكَ على متن ثورٍ، فَلَكَ بكلِّ ماغَطَّت يدُكَ بكلِّ شعرةٍ سَنة، فلمَّا عَلِم موسى كليمُ الله أنَّه مَلَك الموت، وأنَّه جاءَه بالرِّسالة مِن عند الله: طابَت نفسُهُ بالموت، ولم يسْتمهل، وقال: فالآن.
فلو كانت المرَّةُ الأولى عرَفَه موسى عليه السلام أنَّه ملَك الموت، لاستعملَ ما استعمل في المرَّة الأخرى عند تيقُّنِهِ وعلمِه به، ضدَّ قولِ مَن زَعم أنَّ أصحاب الحديث حمَّالةُ الحَطَب ورُعاةُ اللَّيل، يجمعون ما لاينتفعون به، ويروُون ما