للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جسيمةً في جسدِ الأمَّة؛ يحكي ابنُ بطَّة (ت ٣٨٧ هـ) (١) شيئًا مِمَّا لاقاه مِمَّن يرمونَ الرَّجل بنقيضِ قصدِه، ويَلوُون عليه كلامَه، لغايةِ الحطِّ منه بمحضِ الافتراءِ والإيغال في العداوة، فكان يقول: « .. إنْ ذكرتُ في واحدٍ منها أنَّ الكتاب والسُّنة بخلافِ ذلك واردٌ، سمَّاني خارِجيًّا، وإن قرأتُ عليه حديثًا في التَّوحيد، سمَّاني مُشبِّها، وإن كان في الرُّؤية، سمَّاني سالمِيًّا، وإن كان في الإيمان سمَّاني مُرجئًا، وإن كان في الأعمالِ، سمَّاني قدَريًّا، وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر، سمَّاني ناصبِيًّا، وإن كان في فضائلِ أهلِ البيت سمَّاني رافضيًّا .. » (٢).

فنسأل الله السَّلامة مِن شَينِه سبحانه، وإلَّا فما أبعدَ السَّلامة من شَيْنِ النَّاس!

وقد كان من جملة ما يُرمَى به علماء السُّنة جُزافًا: تُهمة الانحرافِ عن آلِ بيتِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وبغضهم، وهذه كسائر البوائق المُناقضة لأصل السَّلامة في المؤمنين، لا يحلُّ الشَّهادة بها على أحدٍ إلَّا ببرهانٍ كالشَّمس، كما قرَّر ذلك ابن الوزير اليَمانيُّ -وهو زَيديٌّ- في جميلِ قولِه: «الرَّميُ ببُغضِ عليٍّ رضي الله عنه شديد، فلا تحِلُّ نسبتُه إلى مَن ظاهرُه الإسلام، إلَّا بعد صِحَّةٍ لا تحتمل التَّأويل» (٣).

فلَكم تراشقَ بهذه الخُصماء لمُجردِّ التَّعيير والتَّنفير، فضَيَّعت لشُؤمها أوقارًا مِن علومِ الرِّجال! ترى شاهد ذلك في مثلِ قول قيس بن الرَّبيع (٤): «قدِمَ


(١) عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان، أبو عبد الله العكبريّ، المعروف بابن بطة: عالم بالحديث، فقيه من كبار الحنابلة، من أهل عكبرا مولدا ووفاة، رحل إلى مكة والثغور والبصرة وغيرها في طلب الحديث، ثم لزم بيته أربعين سنة، فصنف كتبه وهي تزيد على مئة، منها «الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة»، انظر «أعلام النبلاء» (١٦/ ٥٢٩).
(٢) «الاعتصام» للشاطبي (ص/٣٧).
(٣) «العواصم والقواصم» (٧/ ٢٧).
(٤) قيس بن الربيع الأسدى، أبو محمد الكوفي: من كبار أتباع التابعين، صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، مات سنة مائة وبضعٍ وستين للهجرة، انظر «التهذيب» لابن حجر (٨/ ٣٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>