فإن قُلنا برجوعِه إلى الثَّاني -أي المُدَّة-: اختَلَّ التَّآلف بينه وبين حديثِ حذيفة حقًّا، إذْ معنى ذلك: أنَّه يُثبت لكلِّ مرحلةٍ مِن أطوارِ التَّكوينِ الجَنينيِّ الثَّلاثةِ أربعينَ يومًا، ومجموع ذلك مائة وعشرون، وهو بهذا مناقضٌ لحصرِ حديث حذيفةَ للأطوارِ كلِّها في مدَّة الأربعينَ الأولىن، ومخالفٌ لمكتشفاتِ علم الأجنَّة (١).
أمَّا لو قُلنا برجوعِه إلى الأوَّل -أي أنَّ قولَه «مِثلَ ذلك» عائدٌ على (جمع الخلقِ) -: فحينئذٍ تتحقَّق بُغيَتُنا مِن انتفاءِ التَّخالفِ، إذ به تخلو رواية ابن مسعود من تحديد مدَّةِ كلِّ طَورٍ على حِدة، ويكون حديث حذيفةَ كالمُفصِّل والمُبيِّن له، حيث دلَّ على انطواءِ تلك الأطوارِ في مدَّة الأربعين الأولى مِن تكوينِ الجَنين، وعقيب ذلك تأتي الكتابة وتخلُّقه خلقًا آخرَ.
القصدُ مِن هذا: أنَّ اسمَ الإشارة في قوله «مثل ذلك» لمَّا كان لفظًا يمكن صرفه إلى واحدٍ مِن اثنين ذُكِرا قبله في الحديث -وهما: جمع الخلق، أومدَّة الأربعين- كان بذا لفظًا مُجملًا، يحتاج إلى تعيِين أحدِ المعنَيين السَّالفين دون الآخر.
والَّذي بيَّن لنا هذا المُجمَل وعَيَّن المقصودَ باسم الإشارة فيه: صريح حديثِ حذيفة رضي الله عنه، حيث يمتنِع به حملُ اسم الإشارة في حديث ابن مسعود في قوله «مثل ذلك» على المدَّة الزَّمنيَّة، وإلَّا تخالَف الحديثان بذلك كما قلنا.
والَّذي يدُلُّك على لزومِ حملِ مُجملِ حديثِ ابنِ مسعود رضي الله عنه على مُبيَّنِ حديث ابن أسيد: الرِّواية الأخرى لحديث ابن مسعودٍ نفسِه عند مسلمٍ، حيث جاءت بزيادة «في ذلك»، وذلك في قولِه:« .. ثمَّ يكون في ذلك عَلقةً مثلَ ذلك، ثمَّ يكون في ذلك مُضغةً مثلَ ذلك»، أي: في ذلك الوقتِ نفسِه الَّتي يُجمع فيه خلقُ الجَنين أربعين يومًا، هذا الظَّاهر مِن معناها.
(١) انظر «نموُّ الإنسان، مِن مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنِّين» لآمال صادق، وفؤاد أبو حطب (ص/١٥٧ - ١٦٢).