للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يُقال هنا ما قاله بعض العلماء من أنَّ لفظَ «في ذلك» في روايةِ مسلمٍ إشارةٌ إلى المحَلِّ الَّذي اجتمعَت فيه النُّطفة (١)! فكأنَّك تقول: (ثمَّ يكون في بطنِ أمِّه عَلقةً مثلَ ذلك، ثمَّ يكون في بطنِ أمِّه مُضغةً مثلَ ذلك .. ): فإنَّ في هذا تكرارًا لا يفيد الحديثَ معنىً جديدًا، ولسانُ النَّبي صلى الله عليه وسلم أبلغُ وأفصحُ مِن أن ينبِس بمثله!

ومِمَّا يُوكِّد أيضًا ما قرَّرناه مِن عَوْدِ اسم الإشارة في قوله «في ذلك» إلى مدَّة الأربعين الأولى غير حديث حذيفة بن أسيد:

حديثٌ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه يرفعه: «إذا استقرَّت النُّطفة في الرَّحِم أربعينَ يومًا -أو أربعين ليلةً- بَعَث إليها مَلَكًا .. » الحديث (٢).

وهذا موافق لحديث حذيفة بن أسيدٍ رضي الله عنه في جعل الكتابةَ بُعَيد الأربعين الأولى، وحينها ينتهي طَوْرَا العَلقة والمُضغة، ويَتشكَّل الجنين على صورة الإنسان، وهو معنى قوله: «يُجمَع خلقُه».

هذا؛ مع أنَّ جمهورَ الشُّراح قد نحوا إلى خلافِ هذا التَّقرير! (٣) حيث تَتابعوا على القولِ بأنَّ أطوار الجَنين المذكورةِ في حديث ابن مسعود رضي الله عنه تستغرق مائةً وعشرين يومًا بمجموعها؛ فللنُّطفةِ أربعون يومًا في الرَّحِم، وللعَلَقةِ أربعون أخرى، وللمُضغة أربعون ثالثة، فهي أربعوناتٌ ثلاث تستغرقها أطوار تخلُّقِ الجنين على هيئة الإنسان؛ ووافقهم على ذلك كثيرٌ مِن الفقهاء، فرَتَّبوا على هذا


(١) كذا قال القرطبي في «المفهم» (٢٢/ ١٦).
(٢) أخرجه أحمد في «المسند» (رقم: ١٥٢٦٨)، وقال مُخرِّجوه: «صحيح لغيره».
(٣) انظر «إكمال المعلم» للقاضي عياض (٨/ ١٢٦)، و «الإفصاح» لابن هبيرة (٦/ ٣٤٩)، و «شرح صحيح مسلم» للنووي (١٦/ ١٩٠)، و «التَّعيين» للطوفي (ص/٨٥)، و «الكاشف» للطيبي (٢/ ٥٣٤)، و «المفهم» للقرطبي (٢٢/ ١٦)، و «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (١/ ١٥٧ - ١٥٨)، و «فتح الباري» لابن حجر (١١/ ٤٨٤ - ٤٨٩)، و «التيسير بشرح الجامع الصغير» للمُناوي (١/ ٢٦٣)، و «كوثر المعاني» للخضر الشنقيطي (٦/ ١٢٧)، وغيرهم كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>