للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفهمِ للحديثِ مسائلَ عديدة، تَتعلَّق بِما تُلقيه المرأة ممَّا يَثبُت به حكم النِّفاس، وتنقضي به العدَّة والاستبراء، وتصير به المرأة أمَّ ولد، ونحو ذلك مِن مسائل الفروع (١).

ولذلك نراهم يتَكلَّفون تفسيرَ حديث حذيفة بن أسيدٍ وتوجيهَه! فمنهم مَن حَملَه على بعض الأجِنَّة، وحمَلَ حديث ابنِ مسعود على البَعضِ الآخر، بدعوى تخصيصِ كلِّ واحدٍ مِن الحديثين بالآخر (٢)! وهذا مناقضٌ لدلالةِ العمومِ في كِلا الحديثين وسياقِهما.

وذَهَب آخرون، كابن الصَّلاح (٣) وتبعه ابنُ تيميَّة (٤) وابن القيِّم (٥): إلى إمكانِ أن تكون الكِتابةُ المَلَكيَّة مَرَّتين، جمعًا بين الحديثين، فتكون الأولى عقيبَ الأربعين كما في حديث حذيفة، ثمَّ تكون الثَّانية عقب المائة والعشرين كما في حديث ابن مسعود (٦)؛ وزاد ابن تيميَّة: احتمالَ أن تكونَّ ألفاظُ حديث حذيفة بن أسيدٍ لم تُضبط حقَّ الضَّبط، ولهذا اختلَفَت رواتُه في ألفاظِه (٧)!

فكذا قال الفريقان؛ وكِلا الاحتمالين عندي بَعيد.

فأمَّا كون الكِتابة مَرَّتين: فالأظهرُ من الحديثين أنَّها واحدة (٨)؛ وأيُّ فائدة أن تُكرَّر الأجوبة على المَلَكِ مَرَّتين مُتباعدتين؟!


(١) انظر مثلًا: «المحلى» لابن حزم (٤/ ٢٥٣)، و «بدائع الصنائع» للصاغاني (٣/ ١٩٥)، و «المقدمات الممهدات» لابن رشد (٣/ ٣٢٧)، و «الذخيرة» للقرافي (١١/ ٣٢٤)، و «نهاية المطلب» للجويني (١٤/ ٣٣٧)، و «المغني» لابن قدامة (٨/ ١٢٠).
(٢) وهو صنيع الطُّوفي في «التَّعيين في شرح الأربعين» (ص/٨٦).
(٣) «فتاوي ابن الصلاح» (ص/١٦٥).
(٤) سيأتي عزو كلامه.
(٥) «التبيان في أقسام القرآن» (ص/٣٤٥)، و «طريق الهجرتين» (ص/٧٤) كلاهما لابن القيم.
(٦) وقريب من هذا الجمع كلام ابن الملقِّن في «التوضيح» (٥/ ٩٧).
(٧) «مجموع الفتاوى» (٤/ ٢٤١).
(٨) «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (١/ ١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>