للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذلك»: أي في نفسِ الأربعين يومًا «مُضغةً»: مُجتمعةً مكتملةَ الخلقِ المُقدَّر لها «مثلَ ذلك»: أي مِثلما اجتمعَ خلقكُم في الأربعين يومًا» (١).

الجميل في الأمر، أنَّ تجدَ قِلَّةَ العلماءِ الَّذين ذهبوا إلى ما قرَّرناه مِن تأويلِ أحاديث هذا الباب من جعلِ حديثِ حذيفة قاضيًا على حديث ابن مسعود: قد استَنَدوا في هذا المَنزعِ الفقهيِّ إلى أقوالِ علماء الطِّب في عصرِهم! وهذا مِن بَديع التَّوفيقِ مِنهم بين النَّقليَّاتِ في الشَّرع، والكَشْفيَّاتِ في باقي العلوم الصَّحيحة.

لكن لمَّا لم يكُن كلام بعضِ الأطبَّاءِ وَقتئذٍ غيرَ مُثبتٍ على سبيل الجزم كما هو الحال اليوم، عمِل أكثر العلماءِ على تأويلِ هذه الحقيقة لظنِّيَتِها (٢).

فأنت ترى مثل ابن حجرٍ في تنوُّع معارفِه، يَنقُل عن أحدِ أولاءِ القِلَّة تقريرَه لهذا النَّمط في توجيهِ النُّصوص، فيقول: «مَالَ بعضُ الشُّراح المتأخرُّون إلى الأخذِ بما دَلَّ عليه حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه مِن أنَّ التَّصويرَ والتَّخليقَ يقع في أواخرِ (٣) الأربعين الثَّانية حقيقةً، قال: وليسَ في حديثِ ابن مسعود ما يدفعُه.

واستندَ إلى قول بعضِ الأطبَّاء أنَّ المَنِيَّ إذا حصَل في الرَّحم، حصَل له زبديَّة ورغوة في ستَّة أيَّام أو سبعة، مِن غير استمدادٍ من الرَّحم، ثمَّ يستمد مِن الرَّحم، ويَبتدئ فيه الخطوطُ بعد ثلاثةِ أيَّام أو نحوها، ثمَّ في الخامسِ عشر ينفذُ الدَّم إلى الجميع فيصير عَلقةً، ثمَّ تتميَّز الأعضاء، وتَمْتَدُّ رطوبةُ النُّخاع، وينفصل الرَّأس عن المنكِبين، والأطرافُ عن الأصابع، تَمييزًا يَظهر في بعضٍ ويخفى في بعضٍ، وينتهي ذلك إلى ثلاثين يومًا في الأقلِّ، وخمسةٍ وأربعين في الأكثر ..

قال: فيكون قولُه (فيكتُبُ) معطوفًا على قوله (يُجمع) .. » (٤)، ثمَّ استرسلَ هذا المَنقول عنه في توجيهِ حديثِ ابن مسعود بما يقرُب مِن كلامِنا عليه.


(١) «البرهان، الكاشف لإعجاز القرآن» لابن الزَّملكاني (ص/٢٧٥).
(٢) انظر «أثر العلم التَّجريبي في كشف نقد الحديث النَّبوي» لـ د. جميل فريد (ص/٢٢٠ حاشية).
(٣) كذا في المطبوع، والأصحُّ أن يُقال: «أوائل»، لِما قرَّرناه في الجمع بين الحديثين، وهو الموافق لما سيأتي من آخر هذا النَّقَل.
(٤) «فتح الباري» (١١/ ٤٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>