للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاشاهم؛ فهم سادات العُقلاء، وما كان لراوي الخبرِ أبي هريرة رضي الله عنه أن يُشهِدَ العقلاءَ على كذبِه أو غفلتِه -وحاشاه مِنهما- بأن يُخبرَ النَّاس بحديثٍ لا يَتردَّد عقلاءهم في تكذيبِه!

والخبر مَرويٌّ عنه في صحيفةِ همَّام بن منبِّه التَّابعي الجليل، الَّذي دَوَّن ما سمعه عن أبي هريرة رضي الله عنه في صحيفتِه المُلقَّبةِ بـ «الصَّحيفة الصَّحيحة»، لشِدَّة إتقانِها عند العلماء، فهذه الكتابةُ عنه تُبعد أيَّ احتمالٍ لوقوعِ الغلطِ بالنِّسيان، وتُخرس دعوى مَن يُشكِّك في الرِّوايات بعدمِ تدوينِها.

ثمَّ هو قد رواه مع همَّام غيرُ واحدٍ مِن جِلَّة التَّابعين الثِّقات (١)، مِمَّا يُحيل عن مَجموعِهم مَظِنَّة الخطأ بالمرَّة (٢).


(١) كعطاء بن يسار (ت ٩٤ هـ): عند ابن طهمان في «مشيخته» (رقم:٢٢) بإسناد صحيح، ومحمد بن سيرين (ت ١١٠ هـ): عند الحاكم في «مستدركه» (٤/ ١٧٥، رقم: ٧٣٤١) وصحَّحه على شرط الشيخين، وسليم بن جبير (ت ١٣٢ هـ): عند أحمد في «المسند» (رقم: ٨٥٧٥) ومسلم في «صحيحه» (رقم:٣٦٤١) بجملة خيانة حواء فقط، وخلاس بن عمرو الهجري (تقبيل ١٠٠ هـ): عند أحمد في «المسند» (رقم:٨٠١٩) وابن راهويه في «المسند» (رقم: ١١٥)، ولم يسمع من أبي هريرة، انظر «سؤالات الآجري لأبي داود» (رقم:٩٠٢)، و «التاريخ الكبير» للبخاري (٣/ ٢٢٧).
(٢) وإن تَعجبْ فعَجَبٌ قول (محمد عمراني حنشي) في تضعيفِه صحيفة همَّام هذه، وقد تتابع العلماء على وصفِها بـ «الصَّحيحة»، حيث توسَّل بتضعيفِه لهذا الحديث ليُبطل سائر أحاديث الصَّحيفة، بدعوى أنَّها كلَّها بنفس الإسناد!
يقول: «بمجرَّد وجود هذا الخبر الباطل ضمن صحيفة همَّام بن منبِّه، وهي واردةٌ بسندٍ واحدٍ: عبد الرزَّاق الصنعاني، عن معمر بن راشد، عن همَّام بن منبه، عن أبي هريرة: يجعلنا نضعَّف باقي (١٣٧) خبرًا الَّتي اشتملت عليها الصَّحيفة! اللَّهم إلَّا إن أتى بعضها مِن طُرق صِحاح إلى أبي هريرة من غير طريق همَّام بن منبَّه»، كذا قال في مقالٍ بموقعه الرَّسمي «الحوار المُحضِّر»، في ركنٍ منه أسماه «ضعيف الصَّحيحين»! عَنون له بـ: «روائز علم الدِّراية تردُّ خبر خنز اللَّحم والخيانة المزعومة لحوَّاء»، منشور بتاريخ ٨/ ١٢/٢٠٠٥ م.

أقول: حتَّى على تقدير أنَّ همَّامًا غلطَ في هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، فبأيِّ قاعدةٍ حديثيَّة يلزمنا تضعيف باقي الأحاديث الَّتي رواها عن أبي هريرة بمجرَّد خطأٍ واحدٍ؟! اللَّهم إلَّا إن اعتقد الحنشي أنَّ همَّاما تقصَّد الكذب عن أبي هريرة في هذا الحديث! وهذا اعتقاد قبيحٌ في تابعي جليل، لم يُسبق إلى جرحِه به أحدٌ من أئمَّة المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>