للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقول بعيدًا عن لوازم العاطفة تُجاه الأعلامِ من أمَّتِنا، مع عِلمي بضرورتها الدِّينيَّة: إنَّ العقلَ يُوجِب الآن تنزيهَ هؤلاء عن مثلِ هذا الغَلطِ المُدَّعى عليهم، هذا العقل نفسُه الَّذي يَتذرَّع به مَن يُورد تلك المعارضة العقليَّة على تصحيحِ المحدِّثين للحديث؛ إذْ لا يمكن «بمُقتضى العقل» أن يكون المقصود بالحديثِ: أنَّ اللَّحم لم يَكُن يفسُد بتاتًا قبل موسى عليه السلام وقومه؛ كلَّا! «فكلُّ عاقلٍ يُدرك أنَّ الصُّخورَ وهي صخور تَتفتَّت، والحديد عل صلابتِه يَتجزَّأ ويَصدأ، والأجساد بلحمِها وعظمِها تَبلى بعد الموت، مُحالٌ أن يخفى بَدَهيٌّ مثل هذا على صحابيٍّ جليل، ولا على التَّابعين فمَن بعدهم، ولا على البخاريِّ ومسلم، ولا غيرهما ممَّن قَبِل الحديثَ وصحَّحه؛ مع كونِ متنه بهذا المعنى الَّذي يكذِّبه النَّظر هذا التَّكذيب الظَّاهر» (١).

فسأُورد هنا أقوالَ أهلِ العلمِ في المُراد بالحديث، على ما يجعله مُوافقًا للعقل غير مُصادمٍ للبدهيَّات، مُنبِّهًا المُعترضين على سوءِ فهمِهِم لعربيَّة هذا النَّص، أدَّاهم إليه عَجلةُ الطَّبع -أو حبُّ الظُّهور! - إلى أن ينسبوا إلى المُحدِّثين تصحيحَ ما لا يقبله عقلٌ حصيف؛ هذا هو البغي باسمِ العلم، وترك التعقُّل في الأحكامِ باسم العقل!

فمِمَّا قاله العلماء في تفسيرِ الحديث:

القول الأوَّل: أنَّه لولا عِلمُ الله تعالى بما يَقع مِن بني آدم مِن المنع والشُّح، وبخاصَّة منهم بنو إسرائيل: لمَا جَعلَ اللَّحم يفسد، ولتنعَّمَ النَّاسُ به بلا فسادٍ، لكنَّه تعالى لمَّا سبق في علمِه أنَّ الشُّح سيجعل الأغنياءَ يَدَّخرون اللُّحومَ، بُخلًا بها على الفقراء: ابتدَرَهم الله تعالى بالمنعِ مِن ذلك بأن سَنَّ قانونَ الإنتانِ فيها مع الزَّمن (٢).


(١) من مقال لـ د. حاتم العوني في ردِّ الشُّبهة عن صحَّة هذا الحديث بموقع «مركز نماء» بتاريخ: ٢٣/ ٩/٢٠١٢ م، بتصرف.
(٢) انظر «الفتح» لابن حجر (٦/ ٣٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>