للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّجعيَّةِ والتَّخلُّفِ والظَّلاميَّة، إنْ هو أبى الانصياعَ لإغواءِها، وتَشبَّث بوحيٍ إلهيٍّ يُخالف تَصوُّراتها للحياةِ، ويُناقضُ نظرتَها لوظيفةِ كِلا الجِنسين على وجهِ البَسيطة.

حتَّى صِرْنا نَرى لوائحَ هذه الحملةِ باديةً بلا مُواربةٍ، على ألسُنِ مَن يُزعَم فيهم النَّفحَ عن الدِّين، كحالِ (عدنان إبراهيم)! ذاك المُتحذلقُ الَّذي رأيتُه في إحدى خُطَبِه المرئيَّة السَّيارة جاهرًا بالإنكارِ صُراحًا على حديث النَّبي صلى الله عليه وسلم بجُرأةٍ قلَّ مثيلُها، لا تُعهَد إلَّا مِن أساطينِ الحَداثة، يقول فيها:

«كونُ المرأةِ خُلِقَت استقلالًا مِن طين، ابتدأ الله خلقها مِن طينِ الأرض كما ابتدأ آدم: هذا يكرِّس ويدعمُ نموذجًا في التَّفكير سيكون له ما بعده، سيختلف ضمن هذا الإطار تناول سائر قضايا المرأة عمَّا لو تناولناها من مَنظورٍ إطاريٍّ مختلف، يمكن أن نسميَّه نموذجَ أو إطار الاستتباع، فيه المرأة كذَيلٍ أو مُلحق بالرَّجل، لأنَّها مخلوقة من جزءٍ منه، من ضلعٍ من أضلاع الرَّجل».

وبعد؛ فهذا أوان الشُّروع في نَسفِ هذه الشُّبهات عن هذا الخَبَرِ النَّبويِّ الصَّحيح، أقول فيه مستعينًا بالله:

قد أجمعَ المسلمون قاطبةً على كونِ آدم عليه السلام مَخلوقًا مِن سلالةٍ من طينِ الأرض، بمستندِ ما أخبرَ الخالق عز وجل به في آياتٍ مِن مُحكمِ تنزيلِه.

وأمَّا زوجُه حوَّاء، ففي طبيعةِ المادَّة الَّتي خُلِقت منها قولانِ لأهلِ العِلم:

القول الأوَّل: أنَّها مَخلوقةٌ مِن أحدِ أضلاعِ آدم عليه السلام، وهذا مَذهب جماهيرِ المفسِّرين مِن السَّلف (١)، تراها فيما تُنوقِل عنهم مِن أقوالٍ عند تفسيرِهم لقولِه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء: ١].

منها: ما رَواه السُّدي في «تفسيره» (٢) عن ابن عبَّاس وابن مسعود رضي الله عنهم، وأناسٍ آخرينَ مِن أصحابِ النَّبي صلى الله عليه وسلم قالوا: «أُخرِج إبليس مِن الجنَّة ولُعِن،


(١) انظر في ذلك «غرائب التَّفسير» للكرماني (٢/ ٧٧٢)، و «البحر المحيط» لأبي حيان (١/ ٢٥٣).
(٢) انظر «جامع البيان» للطَّبري (١/ ٥٤٨)، و «التَّوحيد» لابن منده (١/ ٢١٣)، و «الأسماء والصِّفات» للبيهقي (٢/ ٢٥٩)، و «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (١/ ٢٣٤)؛ ورواة هذا الأثر عند السُّدي ثقات، قال ابن منده في «التَّوحيد» (١/ ٢١٤): «هذا إسناد ثابت».

<<  <  ج: ص:  >  >>