للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأُسكِن آدم عليه السلام حين قال له: {اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: ٣٥]، فكان يَمشي فيها وَحشِيًّا ليس له زوج يسكُن إليها، فنامَ نومةً فاستيقظ، وإذا عند رأسِه امرأةٌ قاعدة خلَقَها الله عز وجل مِن ضلِعِه .. »، إلى آخر حديثِهم.

وعن ابن عبَّاس رضي الله عنه في قولِه تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} قال: خُلِقت المرأة مِن الرَّجل، فجُعِل نَهمُتها في الرِّجال، وخُلِق الرَّجل مِن الأرض، فجُعِل نهمتُه في الأرض» (١).

وعنه قال: «حوَّاء مِن قُصَيْرَى (٢) آدم وهو نائم»، وعن: «حوَّاء خُلقت مِن آدم، مِن ضلع مِن أضلاعه»، ورُوي نحوه عن مجاهد (٣)، وقتادة (٤)، والضَّحاك، ومقاتل بن حيَّان، ورواه السُدِّي عن أشياخِه (٥).

فهذا التَّفسير مِن هؤلاءِ الأعلامِ لا أعلَمُ لهم فيه مخالفًا مِن طَبقتِهم -فيما أحسبُ- حتَّى جَعَله ابن جَريرٍ قولَ أهلِ التَّأويل (٦)؛ فكان الفرضُ أن يُصار إليه، وحَسمُ مادةِ الخلافِ به.

وكان مِمَّا احتجَّ به هؤلاء على تخلُّقِ حوَّاء مِن آدم تفسيرًا للآيةِ: حديثُنا هذا: «إنَّ المرأة خُلِقت مِن ضِلع»، حيث أنَّ ظاهرَه مُرشدٌ إلى مَعنى خَلقِها مِن الضِّلع الحقيقيِّ، وإخراجِها منه عند أصلِ الخِلقة، واحتملَ هذا المعنى عامَّةُ شُرَّاحِ الحديثِ (٧).

القول الثَّاني: أنَّ حوَّاءَ خُلِقت مِن ترابٍ كما خُلِق آدم منه، ولم تُخلَق مِن ضلعِ ذاتِه؛ ولم يَرَوا هؤلاء أدلَّةَ القولِ الأوَّلِ صَريحةً فيما ذَهبوا إليه، وأنَّ المُرادَ


(١) «تفسير ابن أبي حاتم» (٣/ ٨٥٢)
(٢) القُصيري: آخر الأضلاع من كل شيء ذي ضِلَع وأقصرها، انظر «العين» للخليل (١/ ٢٧٩).
(٣) «جامع البيان» لابن جرير (٦/ ٣٤١)، و «تفسير ابن أبي حاتم» (٣/ ٨٥٣).
(٤) «جامع البيان» لابن جرير (٦/ ٣٤١).
(٥) انظر «تفسير ابن أبي حاتم» (٥/ ١٦٣٠)، و «كشف المشكل» لابن الجوزي (٣/ ٤٧٨).
(٦) «جامع البيان» (٢٠/ ١٦١).
(٧) انظر «شرح النووي على مسلم» (١٠/ ٥٧)، و «الكواكب الدراري» للكرماني (١٩/ ١٣٠)، و «فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٣٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>