للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على قولِ البخاريِّ في تبويبِه لهذا الحديث فقال: «باب: إذا باتَت المرأة مهاجرةً فراش زوجِها»، فقال ابن حَجر: «أي بغيرِ سَببٍ لم يَجُزْ لها ذلك» (١).

ولَإِنْ كان الحديثُ مُعْرِبًا عن عِظَم حَقِّ الزَّوجِ على زوجتِه -وهو لا شكَّ أصلٌ شَرعيٌّ عظيم لتقويمِ العَلاقةِ الزوجيَّة- فإنَّ المُستحِقَّ لهذا الحقِّ: إنَّما هو الزَّوجُ القائمُ بحقِّ زوجتِه، لا النَّاشز عنها المُفرِّط في حَقِّها؛ كمَن يمنعُها -مثلًا- مِن النَّفَقة، أو يُسِيء عِشْرتَها ويُؤذِيها، فهذا لها الحقُّ في الاقتصاصِ منه! بألَّا تُعطيه حَقَّه كاملًا، فتمنَعه مثلَ ما مَنَعها مِن حقِّها جزاءً وِفاقًا.

أصلُ هذا في قولِ الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤]، وقولِه تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [النحل: ١٢٦].

وفي تقرير هذا التَّفصيلِ، يقول الحسين المُظهِريُّ (ت ٧٢٧ هـ) في معرضِ شرحِه لهذا الحديث: «هذا إنَّما يكون إذا لم يَكُن غَضَبُ الزَّوجة بسَببِ ظُلمِ الزَّوجِ عليها، فأمَّا إذا كان الجُرم للزَّوجِ، بأن يُؤذيها ويَظلم عليها: فلم يَكُن على الزَّوجةِ بأسٌ بأن تَغضب على زوجِها» (٢).

ثمَّ يُقال بعدُ زيادةً في تبيانِ المُراد الحقيقيِّ من الحديث:

إنَّ المرأة إن كانت آثِمةً بِالنُّشوزِ عن فراشِ زوجِها، والتَّأبِّي عن قضاءِ حاجتِه، فإنَّ الزَّوجَ آثِمٌ في المُقابل إنْ هو فرَّطَ في حاجةِ زوجتِه أيضًا مِن غير بأسٍ يلحَقُ به أو مَشغلةٍ أو عدم طاقة، إذا كان يَلحقُ المرأةَ مَضرَّةٌ من ذلك، فقد جاء في الحديث: «وإنَّ لأهلِك عليك حَقًّا» (٣).

وضابِطُ هذا الأمرِ راجعٌ إلى العُرفِ، داخلٌ في عمومِ قولِ الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩].


(١) «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ٢٩٤).
(٢) «المفاتيح في شرح المصابيح» للمظهري (٤/ ٨٣).
(٣) أخرجه البخاري في (ك: الصوم، باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له، رقم: ١٩٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>