للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا تَغليظ الشَّرع لِوِزرِ الهاجرةِ لفراش الزَّوجيَّة على وِزر الهاجِر مِن الزَّوجين، وورودِ التَّرهيب في النَّص في حقِّ الزَّوجة دون الزَّوج، والَّذي بسببِه تَطرَّقت الشُّبهة إلى ذهنِ المُعترض ابتداءً، فأدَّاه إلى إنكارِه، فجوابُه:

بأنْ يعلمَ أنَّ الرَّجل في هذا الأمرِ ليس كالمرأة؛ إذ كان أضعف تَحمُّلًا لدواعي الشَّهوة مِنها، وأرغبُ في المُواقعةِ مِن حيث الجملةِ، حتَّى أنَّه يَستحِلُّ طَرائقَ كان يَستقبحُ إتيانَ مثلِها لمجرَّدِ أن يَقضي إرَبَه!

وهذا مُشاهَد غير مَنكورٍ مِن حالِ الرِّجال، في زَمَنٍ رَخُصَت فيه الأعراضُ، وابتُذِلَت فيه العَوْرات، وانتشرَت فيه الشَّهوات، وأُشهِر لها في الطُّرقات، وتَوَغَّلَت رَغمًا في البُيوتَات!

يقول المُهلَّب بن أبي صُفرة (ت ٤٣٥ هـ): «إنَّ صبرَ الرَّجلِ على تركِ الجماعِ أضعفُ مِن صبرِ المرأة، وأقوى التَّشويشاتِ على الرَّجلِ داعيةُ النِّكاح، ولذلك حَضَّ الشَّارع النِّساءَ على مساعدةِ الرِّجال في ذلك» (١).

وصَدق الله تعالى، إذْ رغَّبَ عبادَه في الزَّواج، وحذَّرَهم مِن مُواقعة الفاحشة، فقال ختامَ ذلك: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: ٢٨].

يقول طاووس بن كيسان في تفسيرها: «أي ضعيفًا في أمرِ الجِماع»، وفي روايةٍ عنه: «في أمورِ النِّساء، ليس يكون الإنسان في شيءٍ أضعفَ منه في النِّساء»! (٢)

وأقرَّه الطَّبري على هذا المَعنى، ونَسَبَه إلى أهلِ العلمِ بالقرآنِ، فقال: «يَسَّرَ ذلك عليكم إذا كنتم غير مُستطِيعِي الطَّولِ للحرائر، لأنَّكم خُلِقتم ضعفاءَ عجَزَة عن تركِ جماعِ النِّساء، قَليلي الصَّبرِ عنه، فأَذِن لكم في نكاحِ فتَياتِكم المؤمناتِ عند خوفِكم العَنَت على أنفسِكم، ولم تجدوا طَولًا لحُرَّة، لئلَّا تزْنُوا، لقلَّةِ صبرِكم على تركِ جماع النِّساء؛ وبنحوِ الَّذي قُلنا في ذلك قال أهل التَّأويل» (٣).


(١) «فتح الباري» لابن حجر (٩/ ٢٩٥).
(٢) «جامع البيان» لابن جرير (٦/ ٦٢٥).
(٣) «جامع البيان» لابن جرير (٦/ ٦٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>