للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمَن كان بهذه الصِّفة مِن الضَّعفِ عن المُواقعة، وكان النِّساءُ أصبَر منه على ذلك وأرْزَن، كانت المفسدةُ المُترتِّبة على كَبْتِه عن شهوتِه أعظمَ في حقِّه مِن المرأة؛ ومنه تَعلم لِمَ كان الأمرُ الشَّرعي لجنسِه بالتَّعجُّل إلى النِّكاحِ أَشدَّ وآكد مِن جنسِ النِّساء.

فـ «يا معشرَ الشَّباب، مَن استطاعَ منكم البَاءَةَ فليتزوَّج» (١)!

يقول الوَليُّ الدِّهلوي (ت ١١٧٦ هـ): «لمَّا كانت المصلحةُ المَرعيَّة في النِّكاح: تحصينَ فرجِه، وَجبَ أن تُحقَّق تلك المصلحة، فإنَّ مِن أصولِ الشَّرائع، أنَّها إذا ضُرِبَت مَظنَّةً لشيءٍ، سجل (٢) بما يحقِّق وجودَ المصلحة عند المَظِنَّة، وذلك أن تُؤمَر المرأة بمطاوعتِه إذا أراد منها ذلك، ولولا هذا لم يَتحقَّق تحصينُ فرجِه، فإن أَبَت، فقد سَعَت في ردِّ المصلحة الَّتي أقامها الله في عباده، فتوَجَّه إليها لعنُ الملائكةِ على كلِّ مَن سعى في فسادِها» (٣).

فكلُّ هذا إنَّما شُرع لتحقيق مصلحةٍ جليلةٍ في نَظرِ الشَّريعة وهي حفظُ الفروجِ، فإنَّها إن امتَعنَتْ بهوَاها عن حاجةِ زوجِها والحالة هذه، فقد حالَت دون تحقُّقِ تلكم المَصلحة، بل تَسبَّبت في عَنَتِ الزَّوج، وتَسليطِ الوَساوِس عليه، فتؤُزُّه على تصريفِ شهوتِه كيف ما اتَّفق ولو بحرام -عياذًا بالله-؛ والرَّجل في هذا أقدرُ وأَجْرؤُ مِن المرأة؛ فضلًا عمَّا في هذا مِن تضنيكِ المَعايشِ في البيوت، وانفكاكِ ما بينهما من مَواثيقَ غَليظة، ورَواجِ سُوقِ العُهرِ في المُجتمعاتِ، والعِياذ بالله.

يقول ابن هبيرة: «إنَّ الرَّجل إذا دعا امرأتَه إلى فراشِه فامتنعت: كانت ظالمةً بمنعها إيَّاه حقَّه، فتكون عاصيةً لله بمنعِ الحقِّ، وبالظُّلم، وبكُفرانِ العَشير،


(١) أخرجه البخاري في (ك: النكاح، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج» وهل يتزوج مَن لا أرب له في النكاح، رقم: ٥٠٦٥)، ومسلم في (ك: النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنه، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، رقم: ١٤٠٠).
(٢) كذا في المطبوع، ولم أتبيَّن معناها في سياق الكلام.
(٣) «حجة الله البالغة» (٢/ ٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>