للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الحديث، إن كان الشَّطر الأوَّل مِنه لن يَفهم منه كَيِّسٌ تفضيلًا للفقرِ على الغِنى والسَّعة، ولا حَثًّا للأمَّةِ على الافتقار والمَسكنة، فكذا ينبغي -تبعًا- ألَّا يُفهم مِن شطرِه الثَّاني تنقُّصًا مِن جنسِ النِّساء، ولا حَطًّا لقدرهنَّ!

وعليه نقول أنَّ الواقع المُخبر عنه في الحديث: هو كثرة النِّساء على الرِّجال في النَّار يوم القيامة، وليس في الخبرِ ذكرٌ لنسبةِ هذه الكثرة النِّسوية مقارنةً بعدد الرِّجال، ولا فيه الفارق بينهما أكبيرٌ هو أم صغير؛ هذا قد سَكت الحديث عنه.

فدعوى المُعترض «غيابَ العنصرِ الذُّكوري مِن النَّار إلى الحدِّ الأدنى .. ووجود الذُّكور في الجنَّة إلى الحدِّ الأعلى .. فالجنَّة للذُّكور، والنَّار للنِّساء» (١): تخرُّصٌ منه لا دليل عليه، ولا طائل منه إلَّا مجرَّد التَّهويل.

بل على النَّقيضِ منه، قد رجَّح بعض المُحقِّقين من أهل العلم كونَ النِّساء أكثر أهل الجَّنة في المآل أيضًا! بدلالةِ الأحاديث نفسِها الَّتي يَمتعض منها المُخالف؛ فإنَّ لكلِّ رجلٍ مِن أهل الجَّنة زوجتان مِن الإنسيَّات، كما جاءت به روايةٌ عن محمَّد بن سيرين، يُخبر فيها تذاكرَهم ذات يومٍ في الرِّجال: أهم في الجنَّة أكثر أم النِّساء؟ فقال لهم أبو هريرة رضي الله عنه: أَوَ لم يقُل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوَّل زمرةٍ تدخلُ الجنَّةَ على صورةِ القَمر ليلةَ البَدر، والَّتي تَليها على أضوإِ كوكبٍ دُريٍّ في السَّماء، لكلِّ امرئٍ منهم زوجتان اثنتان، يُرى مُخُّ سوقِهما مِن وراءِ اللَّحم، وما في الجنَّة أعزب»؟ (٢)

فظاهرُ احتجاج أبي هريرة رضي الله عنه على أنَّ النِّساء أكثر في الجنَّة: أنَّ الجنَّة إذا خَلَت عن العُزَّاب، وكان لكلِّ واحدٍ زوجتان، كان النِّساء مِثْلَيْ الرِّجال، فدلَّ على أنَّهن فيها أكثر مِن الرِّجال (٣).


(١) «تحرير العقل من النقل» لسامر إسلامبولي (ص/٢٣٩).
(٢) رواه مسلم في (ك: الجنة وصفو نعيمها وأهلها، باب: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم، رقم: ٢٨٣٤).
(٣) «طرح التثريب» (٨/ ٢٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>