للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي عياض: « .. هذا كلُّه في الآدميَّات، وإلَّا فقد جاء أنَّ للواحدِ مِن أهلِ الجنَّة مِن الحوريَّات العدد الكثير» (١)، وذلك لمِا في «الصَّحيحين» وغيرهما مِن حديثِ عبد الله بن قيس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في الجنَّة خيمةٌ مِن لؤلؤةٍ مجوَّفة، عرضُها ستُّون ميلًا، في كلِّ زاويةٍ منها أهلٌ ما يَرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن» (٢).

ولا يُعارضه ما في حديث البابِ مِن كونِ النِّساء أكثر أهل النَّار، إذْ لا يلزم مِن أكثريَّتهن في النَّار نفيُ أكثريَّتِهنَّ في الجنَّة كذلك (٣)! بل نخرجُ مِن جملةِ هذه الأحاديث أنَّ أكثرَ بني آدمَ هم النِّساءُ (٤).

وعليه قال ابن تيميَّة: « .. النِّساء أكثر مِن الرِّجال، إذ قد صحَّ أنهنَّ أكثر أهل النَّار، وقد صحَّ لكلِّ رجلٍ مِن أهل الجنَّة زوجتان مِن الإنسيَّات سِوى الحور العين، وذلك لأنَّ مَن في الجنَّة مِن النِّساء أكثر مِن الرِّجال، وكذلك في النِّار، فيكون الخلق منهم أكثر» (٥).

أمَّا ما قد يُشكل على هذا التَّقرير، ممَّا جاء عن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعًا: « .. مِن أنَّ أقلَّ ساكني الجنة النِّساء» (٦): فيحتملُ أنَّ يكون الرَّاوي رواه بالمعنى الَّذي فهمه مِن أنَّ كونهنَّ أكثرَ ساكني النَّار، يلزم منه أنْ يكُنَّ أقلَّ ساكِني الجنَّة؛ وليس ذلك بلازمٍ لما قدَّمته؛ ويحتمل أن يكون ذلك: في أوَّل الأمر قبل


(١) «إكمال المعلم» (٨/ ٣٦٦).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: بدء الخبق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، رقم: ٣٢٤٣)، ومسلم في (ك: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: في صفة خيام الجنة وما للمؤمنين فيها من الأهلين، رقم: ٢٨٣٨) واللفظ له.
(٣) «فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٣٢٥).
(٤) «إكمال المعلم» (٨/ ٣٦٦).
(٥) «مجموع الفتاوى» (٦/ ٤٣٢)، ولا يُتعقَّب على هذا بأنَّ الإحصاءات الأُمميَّة المعاصرة تثبت تفاوتًا بين أعداد الرِّجال بالنِّسبة للنِّساء مِن بلدٍ إلى آخر، فإنَّ الأكثريَّة المقصودة هنا هي مجموعِ النِّساء والرِّجال من زمن آدمَ إلى قيام السَّاعة، فلا يُعارض هذا بإحصائيَّة مؤقَّتة بجيلٍ أو بلدٍ معيَّن.
(٦) أخرجه مسلم في (ك: الرقاق، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء، رقم: ٢٧٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>