للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خروج العُصاة مِن النَّار بالشَّفاعة، ولذلك أكَّدتُ على أنَّهن أكثر أهل الجنَّة مآلًا على كلِّ حال (١).

نعود إلى حديثنا، فنقول: لقد بيَّن النَّبي صلى الله عليه وسلم للنِّساء وجهَ أكثريَّةِ نوعهنَّ في النَّار، حين رَبط ذلك بكثرةِ إتيانِه لمُوجِبَتين مِن مُوجباتِ العذاب، هما اللَّعن وكفران العشيرِ، فهذان وإنْ كانا في الرِّجال أيضًا، لكنَّهما في النِّساء أكثر وأظهر.

وذلك أنَّ ضعيفًا في جسده، محدودًا في سُلطته -مثل النِّساء-، إذا غضِب وأرادَ الانتقام والتَّشفي مِمَّن يراه قد آذاه أو أغضبه، قد لا يملك إلَّا لسانه لتصريف ذلك عليه! فيسوِّل الشَّيطان له حينها تردادَ السَّب له واللَّعنِ، وكثرة اللَّعن مظنَّة لوقوِعه على غير مُستحقِّه، فيرجع إثمه على اللَّاعن.

وكذا يَأُزُّه إلى غمطِ فضل مَن أحسن إليه، وهو قِحة في إنكارِ الجميل، لا يجوز ولو على وجهِ المُغاضبة؛ فهنا ينقلب المظلوم ظالمًا، وأحرى به أن يكون مُستقبحًا بين الزَّوجين خاصَّة، لما في ذلك من عواقب وخيمةٍ على البيتِ وحقوقِ الزَّوجيَّة.

حتَّى عُدَّ هذا الكُفران كبيرةً بذاته، بخلاف اللَّعن الَّذي قُيِّد في الحديث بالكثرة، والصَّغيرة إنَّما تصير كبيرةً بالكثرة (٢).

ثمَّ إنَّا لسنا ندَّعي -مع ذلك- فُشوَّ هذه الأخلاقِ الانفعاليَّة المذمومة في كلِّ النِّساء! حاشَى لله؛ فلسن كُلُّهن ينجرِرْنَ وراء الشَّيطانِ إرضاءً لدواخِلهنَّ ولو بحرام، أو شفاءً لصدروهنَّ بزور الكلام، بل فيهنَّ التَّقيَّات المُوفَّقات، الكابحات لجماحِ أهوائهنَّ في المخاصماتِ والمغاضبات، العالماتِ بوخيمِ حصائدِ الألسنة على أصحابِها في النَّار.

وفي ذلك دلالة واضحة على أنَّ ما ذُكر من المَذامِّ، ليس أمرًا قد فُطِر النِّساء عليه جبرًا، ولا ما يَعقُب ذلك مِن عذابٍ قَدرًا محتومًا على أفرادِهنَّ،


(١) انظر «التوضيح» لابن الملقن (١٩/ ١٢٨)، و «طرح التثريب» (٨/ ٢٧٠).
(٢) «الآداب الشرعية» لابن المفلح (١/ ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>