للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِن جهةِ الإنكار له جملةً، أو قَبولِه بنوعِ تحريفٍ لمعناه بما يَؤولُ في النِّهايةِ إلى شَرْعَنةِ مَطالِبِ النِّسْوِيِّين.

وليس مِن وُكدِنا هنا مناقشةُ تأويلاتِ القوم، ما داموا مُعترِفين بِصِحَّتِه، فإنَّ الهِمَّة مَصروفةٌ في هذا البحث إلى مناقشةِ ما يُبديه المُبطِلونَ مِن مُعارَضاتٍ لإبطالِ الحديثِ دون غيرهم.

ومُحصَّل حُجَّجِهم في انتقاضه متركِّزةٌ في دعوى مخالفتِه للواقِع والتَّاريخ، حيث اكتشفوا أنَّ مِن النِّساء مَن توَّلينَ منصبَ الحكمِ في القديم والحديث، فأفلحنَ في إدارة شؤون الدَّولة وتقوِيتِها على أحسنِ وجهٍ!

وفي تقرير هذه الشُّبهة، يقول (محمَّد سليمان الأشقر):

«إنَّ مِمَّا يدلُّ على بطلانِ هذا الحديث: أنَّه يَقتضي أنَّه لا يُمكن أن يُفلِح قَومٌ تَتولَّى رئاسةَ دولتِهم امرأةٌ في حالٍ مِن الأحوال، ومعنى هذا: أنَّه لو وُجِدت امرأةٌ على رأسِ إحدى الدُّوَل، ونَجَحت تلك الدَّولة في أمورِها الدُّنيويَّة، فيكون ذلك دالاًّ على أنَّ هذا الحديث كذِبٌ مَكذوب على النَّبي صلى الله عليه وسلم!

وقد وُجِد في العصور الحديثة دُوَلٌ كثيرة تَوَلَّت رئاستَها نساءٌ، ونَجَحت تلك الدُّوَل نَجاحاتٍ باهرةٍ تحت رئاسةِ النِّساء، نذكرُ مِن ذلك: رئاسةَ (أندِيرًا غانْدي) للهند، ورئاسةَ (مارْغَريت تاتْشِر) لبريطانيا، وغيرهما كثيرٌ في القديم والحديث، وإنَّما قُلنا في الأمورِ الدنيويَّة، لأنَّ الحديث وَرَدَ على ذلك» (١).

ويقول (جمال البنَّا): «إنَّ القرآن نفسَه امتدحَ حكمَ امرأةٍ، وهي مَلكة سَبَأ، .. وكيف أنَّها أنقذَت قومَها من الحرب، بعد أن أشارَ عليها كبراؤُها {قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ} [النمل: ٣٣]، ولا يُمكن لحديثٍ صحيحٍ أن يُخالف وقائعَ التَّاريخَ الثَّابتة، ولا نصوصَ القرآن الصَّريحة» (٢).


(١) من مقال له في جريدة «الوطن» الكويتية، بتاريخ (٢٩/ ٥/٢٠٠٩ م) بعنوان: «نظرة في ألأدلة الشرعية حول مشاركة المرأة في الوظائف الرئاسية والمجالس النيابية ونحوها».
(٢) «المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء» لجمال البنا (ص/٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>