للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يُغفِل الطَّاعنونَ في الخَبرِ، أن يُسَوِّغوا إبطالَهم لمتنِه، بالتَّفتيش عن عِلَّتِه في الإسناد؛ فلم يَجِدوا ضحِيَّةً فيه يُعلِّقون عليه آفة متنِه -بزعمهم- إلَّا الصَّحابيَ راويه! أعني به أبا بكرةَ نفيع بن الحارث الثَّقفي رضي الله عنه.

فقالوا: قد جَلَده عمر رضي الله عنه في شهادتِه مع اثنينِ آخرين على المُغيرة بن شعبة رضي الله عنه بالزِّنا، لانعِدامِ شرطِ الشَّهادةِ ونِصابِها.

وفي تقريرِ هذا التَّعليلِ الإسناديِّ، يقول محمَّد الأشقر (ت ١٤٣٠ هـ):

«هذا الحديث هو المُستَند الرَئيسيُّ لكلِّ مَن يَتَكلَّم في هذا الأمر، ولم يَرِد هذا الحديث مِن روايةِ أيِّ صحابيٍّ آخر غير أبي بكرة، وتصحيحُ البخاريِّ وغيره لهذا الحديث وغيرِه مِن مَرويَّاتِ أبي بَكرةَ هو أمرٌ غَريبٌ لا يَنبغي أن يُقبَل بحالٍ (!).

والحُجَّة في ذلك: ما عُرِف في كُتبِ التَّاريخ الإسلاميِّ -كما عند الطَّبري، وابن كثير، وغيرهما- أنَّ أبا بكرة قَذَف المغيرة بنَ شعبة بالزِّنا، ووَصَل الخبر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فأمَرَ بحضورِ الرَّجُلَين مِن الكوفة إليه في المدينة، فسألهما عن ذلك، وطَلَب عمر رضي الله عنه مِن أبي بكرة أن يَأتي بشهودِه على ما ادَّعاه، فلَمْ تَتِمَّ الشَّهادة الَّتي هي كما قال الله تعالى: أربعة شهود ..

ولذلك جَلَد عمر رضي الله عنه أبا بكرة ثمانين جلدةً حَدَّ القذف بالزِّنا، ثمَّ قال له: تُبْ أقبَلْ شهادَتَك، فأبَى أن يَتوب! وأسقطَ عمر رضي الله عنه بعد ذلك شهادَته، فكان أبو بكرة بعد ذلك إذا استُشهِد على شيءٍ، يأبى أن يَشهد، ويقول: إنَّ المؤمنين قد أبطلوا شهادَتي!

إنَّ الآية (١) تدمغُه بالفِسق وبالكذب، وهذا يقتضي ردَّ ما رواه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ممَّا انفرد به، كهذا الحديث العَجيب: «لن يُفلِح قومٌ تملكهم امرأة»، فينبغي أن يُضَمَّ هذا الحديث إلى الأحاديثِ الموضوعةِ المكذوبةِ على النَّبي صلى الله عليه وسلم» (٢).


(١) يعني الآية (١٣) من سورة النور: {لَوْلا جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}.
(٢) وقد سبقه جمال البنا إلى الطعن في أبي بكرة رضي الله عنه في «المرأة المسلمة بيت تحرير القرآن وتقييد الفقهاء» لجمال البنا (ص/٨١ - ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>