للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول ابن قدامة (ت ٦٢٠ هـ): «لا نعلمُ خلافًا في قبول روايةِ أبي بكرة، مع ردِّ عمر شهادته» (١).

وقال ابن القيِّم (ت ٧٥١ هـ): «قد أجمعَ المسلمون على قَبولِ رواية أبي بكرة» (٢)، ومثله قال ابن كثير (٣).

وقد بَلَغ مِن فضلِ هذا الصَّاحِبِ رضي الله عنه علمًا ودينًا، أن تجتمِعَ له شَهادَتَا التَّابعين الجليلين الحَسنِ البَصريِّ ومحمَّد بنِ سِيرين بـ «أنَّه لم يَنزِل عليهما البَصْرةَ مِن أصحابِ النَّبي صلى الله عليه وسلم مثلُ أبي بَكرة، وعمران بنِ حُصين» (٤).

ولَإِن كان (جمال البَنَّا) لا يُبالي بنَقْضِ إجماعٍ أو وِفاقِه، ولا يَأْلُو جُهدًا في تَسفيهِ مَذاهبِ الأسلافِ الصَّالحين بحُمقِ هواه؛ فكيف لِمثلِ (الأشقرِ) في علمِه ودينِه أن يُشيح بوجِهه عن هذا الإجماع؟!

ألا ليتَه فَكَّر بطريقةٍ أخرى، فجَعَل الأصلَ سَلامَة الصَّحابيِّ -فهو الأصلُ عنده في الأصحابِ يَقينًا- ثمَّ يبني على هذا الأصلِ تأويلَ ما يَتبادرُ منه خلافُه!

لكنَّه داءُ العَجَلة حين يُصيب قَلَمَ العالِمِ على غِرَّة! فتأُزُّه نَفسٌ نَفَرَت مِن مَفادِ خَبَرٍ ما، يسلُك بها مَسالِكَ مُوحِشةً في التَّأويلِ، لم يسلُكها فقيهٌ قبله.

أمَّا ما زَعمُه مِن أنَّ آيةَ: {لَوْلا جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: ١٣] تدمَغُ أبا بكرةٍ رضي الله عنه بالفسقِ والكَذبِ، المُقتضي لرَدِّ ما رواه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:

فهذا منه باطلٌ بُنِي على باطلٍ! بيانُه: أنَّ الضَّمائر في هذه الآيةِ راجعةٌ إلى القَذَفَة، لا إلى الشُّهودِ! يظهرُ هذا في نفسِ قصَّةِ جلدِ عمرَ لأبي بكرة رضي الله عنهم، يَحكيها بعضُ التَّابعين، منهم قسامة بن زهير (٥)، حيث يقول:


(١) «المغني» (١٠/ ١٨٠).
(٢) «إعلام الموقعين» (٢/ ٢٤٣).
(٣) «مسند الفاروق» (٢/ ٥٥٩).
(٤) «العلل ومعرفة الرجال» لأحمد رواية ابنه عبد الله (٢/ ٤٦١).
(٥) قسامة بن زهير المازنى التميمى: بصريٌّ تابعيٌّ ثقة، مات (بعد ٨٠ هـ)، انظر «تهذيب الكمال» (٢٣/ ٦٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>